الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولقد رد الله سبحانه وتعالى زعمهم بإثبات أن الثواب والعقاب بالعمل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ولذا قال سبحانه:

                                                          فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون

                                                          كيف: يستفهم بها عن الحال، أي: ما حالهم وما شأنهم إذا جمعهم الله رب العالمين، ليوم لا ريب فيه؛ لا شك أنهم يفاجأون بذهاب غرورهم الذي اغتروه، وضلالهم بسبب استمرار افترائهم الذي أحدثوه فدلاهم في غرورهم؛ وإنه في هذا اليوم الذي لا ريب فيه توفى كل نفس ما كسبت أي: جزاء ما كسبت، وهم لا يظلمون أي: لا ينقصون مما فعلوه شيئا، فسيجزون بالخير الحسنى، وبالشر السوءى.

                                                          وفي الآية الكريمة بعض البحوث اللفظية نشير إليها واحدا واحدا؛ لأن في بيانها توجيها إلى معان دقيقة في النص الكريم:

                                                          أول هذه الأمور: الفاء في قوله تعالى: " فكيف " فإنها هي ما تسمى فاء الإفصاح، وهي التي تفصح عن شرط مقدر، أي أنه إذا كانت العقوبة المقررة عليكم أياما معدودات في اعتقادكم مهما ارتكبتم، فماذا تكون حالكم إذا كانت المفاجأة التي لم تقدروها وطمس عليكم فلم تعلموها؟.

                                                          وثاني هذه المباحث اللفظية قوله تعالى: " جمعناهم " فإن التعبير بلفظ الجمع فيه إشارة إلى معنى المساواة التامة، وأنه لا فضل لجنس على جنس، وإضافة هذا الجمع إلى رب العالمين، خالق الناس أجمعين يزكي هذه المساواة؛ لأنه خالق الجميع، ورب الجميع، وجامع الجميع يوم القيامة، فالجميع بين يديه سواء في الأصل والتكوين وفي الربوبية والحفظ، وفي الجمع يوم القيامة فيكونون سواء في الحساب والعقاب والثواب، وكل وعمله.

                                                          وثالث هذه الأمور: تنكير " يوم " في قوله تعالى: ليوم لا ريب فيه فإن ذلك التنكير للتهويل، وبيان عظم شأنه وأنه يوم عبوس، وأنه مع شدته وشدة [ ص: 1166 ] الحساب لا ريب في وجوده ولا شك. وذكر قوله لا ريب فيه في هذا المقام؛ لأن من اليهود طائفة تنكر البعث، فالتأكيد لأجل هذه الطائفة المنكرة الملحدة في دين الله، الخارجة على كل أديان السماء، والباقون إن اعتقدوا بعقولهم لم يذعنوا بأفعالهم.

                                                          ورابع هذه المباحث اللفظية في التعبير بقوله تعالى: ووفيت كل نفس ما كسبت إسناد التوفية إلى ما كسبت وعدم ذكر الجزاء، فيه إشارة إلى عدل الله اللطيف الخبير، وهو مساواة الجزاء للعمل، وكأن المثاب يوفى عمله، لا جزاء عمله، وذلك لشدة المساواة بينهما. وقد أكد سبحانه وتعالى معنى العدالة وأن كل شيء بالقسطاس المستقيم بقوله: " وهم لا يظلمون " أي: سيجزون بأعمالهم، وسينالون ما يستحقون، وكل ما ينالهم بسبب ما فعلوا هو العدل عينه، ولا ظلم، فإذا ألقوا في السعير فليس في ذلك ظلم، بل هو العدل. وإن سبب ضلال اليهود أنهم زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا.

                                                          فاللهم أرنا عيوب أنفسنا، وجنبنا الاغترار في ديننا، إنك سميع الدعاء.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية