الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ( 63 ) )

قال أبو جعفر : يريد - جل ثناؤه - بقوله : ( وألف بين قلوبهم ) ، وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج ، بعد التفرق والتشتت ، على دينه الحق ، فصيرهم به جميعا بعد أن كانوا أشتاتا ، وإخوانا بعد أن كانوا أعداء .

وقوله : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لو أنفقت ، يا محمد ، ما في الأرض جميعا من ذهب وورق وعرض ، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيلك ، ولكن الله جمعها على الهدى فائتلفت واجتمعت ، تقوية من الله لك وتأييدا منه ومعونة على عدوك . يقول جل ثناؤه : والذي فعل ذلك وسببه لك حتى صاروا لك أعوانا وأنصارا ويدا واحدة على من بغاك سوءا هو الذي إن رام عدو منك مراما يكفيك كيده وينصرك عليه ، فثق به وامض لأمره ، وتوكل عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

16256 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وألف بين قلوبهم ) ، قال : هؤلاء الأنصار ، ألف بين قلوبهم من بعد حرب ، فيما كان بينهم . [ ص: 46 ]

16257 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن بشير بن ثابت ، رجل من الأنصار : أنه قال في هذه الآية : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ، يعني : الأنصار

16258 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( وألف بين قلوبهم ) ، على الهدى الذي بعثك به إليهم ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ) ، بدينه الذي جمعهم عليه يعني الأوس والخزرج .

16259 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن إبراهيم الخوزي ، عن الوليد بن أبي مغيث ، عن مجاهد قال : إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما . قال قلت لمجاهد : بمصافحة يغفر لهما؟ فقال مجاهد : أما سمعته يقول : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ؟ فقال الوليد لمجاهد : أنت أعلم مني .

16260 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال : حدثني الوليد ، عن أبي عمرو قال : حدثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد ، ولقيته وأخذ بيدي فقال : إذا تراءى المتحابان في الله ، فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه ، تحاتت [ ص: 47 ] خطاياهما كما يتحات ورق الشجر . قال عبدة : فقلت له : إن هذا ليسير! قال : لا تقل ذلك ، فإن الله يقول : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ! قال عبدة : فعرفت أنه أفقه مني .

16261 - حدثني محمد بن خلف قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : حدثنا فضيل بن غزوان قال : أتيت أبا إسحاق فسلمت عليه فقلت أتعرفني؟ فقال فضيل : نعم! لولا الحياء منك لقبلتك حدثني أبو الأحوص ، عن عبد الله ، قال : نزلت هذه الآية في المتحابين في الله : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) .

16262 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ابن عون ، [ ص: 48 ] عن عمير بن إسحاق قال : كنا نحدث أن أول ما يرفع من الناس أو قال : عن الناس الألفة .

16263 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أيوب بن سويد ، عن الأوزاعي قال : حدثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم ، عن الوليد .

16264 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، وابن نمير ، وحفص بن غياث ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص قال : سمعت عبد الله يقول : ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ، الآية ، قال : هم المتحابون في الله .

وقوله : ( إنه عزيز حكيم ) ، يقول : إن الله الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما ، وجعلهم لك أنصارا ( عزيز ) ، لا يقهره شيء ، ولا يرد قضاءه راد ، ولكنه ينفذ في خلقه حكمه . يقول : فعليه فتوكل ، وبه فثق ( حكيم ) ، في تدبير خلقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية