الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي في هذه السنة من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الباذرائي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واقف المدرسة الباذرائية التي بدمشق ، كما تقدم بيانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والشيخ تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الفهم اليلداني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بها في ثامن ربيع الأول ، ودفن بها ، وكان شيخا صالحا مشتغلا بالحديث سماعا وكتابة وإسماعا ، إلى أن توفي وله نحو مائة سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وأكثر كتبه ومجاميعه التي بخطه موقوفة بخزانة الفاضلية من الكلاسة ، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له : يا رسول الله ، ما أنا رجل جيد؟ قال : بلى ، أنت رجل جيد . رحمه الله وأكرم مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ شرف الدين محمد بن أبي الفضل المرسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان شيخا فاضلا [ ص: 351 ] مفتيا محقق البحث ، كثير الحج ، له مكانة عند الأكابر ، وقد اقتنى كتبا كثيرة ، وكان أكثر مقامه بالحجاز ، وحيث حل عظمه رؤساء تلك البلدة ، وكان مقتصدا في أموره ، وكانت وفاته - رحمه الله - بالزعقة بين العريش والداروم في منتصف ربيع الأول من هذه السنة ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الملك الناصر داود بن المعظم عيسى بن العادل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ملك دمشق بعد أبيه ثم انتزعت من يده ، وأخذها عمه الأشرف ، واقتصر على الكرك ونابلس ، ثم تنقلت به الأحوال ، وجرت له خطوب طوال حتى لم يبق معه شيء من المحال ، وأودع وديعة تقارب مائة ألف دينار عند الخليفة المستعصم ، فأنكره إياها ، ولم يردها عليه ، وقد كان له فصاحة وشعر جيد ، ولديه فضائل جمة ، واشتغل في علم الكلام على الشمس الخسروشاهي تلميذ الفخر الرازي ، وكان يعرف علوم الأوائل جيدا ، وقد حكوا عنه أشياء تدل - إن صحت - على سوء عقيدته ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أنه حضر أول درس ذكر بالمستنصرية في سنة ثنتين وثلاثين وستمائة ، وأن الشعراء أنشدوا المستنصر مدائح كثيرة ، فقال بعضهم في جملة قصيدة له :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 352 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو كنت في يوم السقيفة شاهدا كنت المقدم والإمام الأعظما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال الناصر داود للشاعر : اسكت ، فقد أخطأت ، قد كان جد أمير المؤمنين العباس شاهدا يومئذ ، ولم يكن المقدم ، وما الإمام الأعظم إلا أبو بكر الصديق . فقال الخليفة : صدق . فكان هذا من أحسن ما نقل عنه ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقاصر أمره إلى أن رسم عليه الناصر بن العزيز بقرية البويضا التي لعمه مجير الدين يعقوب حتى توفي بها في هذه السنة ، فاجتمع الناس بجنازته ، وحمل منها ، فصلي عليه ، ودفن عند والده بسفح قاسيون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الملك المعز عز الدين أيبك التركماني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أول ملوك الأتراك ، كان من أكبر مماليك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل ، وكان دينا صينا عفيفا كريما ، مكث في الملك نحوا من سبع سنين ، ثم قتلته زوجته شجر الدر أم خليل ، وقام في الملك من بعده ولده نور الدين علي ، ولقب بالملك المنصور ، وكان مدبر مملكته مملوك أبيه سيف الدين قطز ، ثم عزله واستقل بالملك بعده نحوا من سنة ، وتلقب بالمظفر ، فقدر الله كسر التتار على يديه بعين جالوت ، وقد بسطنا هذا كله في الحوادث فيما تقدم وما سيأتي ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شجر الدر بنت عبد الله ، أم خليل التركية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت من حظايا الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكان ولدها منه خليل من أحسن الصور ، فمات [ ص: 353 ] صغيرا ، وكانت تكون في خدمته ، لا تفارقه حضرا ولا سفرا من شدة محبته لها ، وقد ملكت الديار المصرية بعد مقتل ابن زوجها المعظم تورانشاه ، فكان يخطب لها ، وضربت السكة باسمها ، وعلمت على المناشير مدة ثلاثة أشهر ، ثم تملك المعز كما ذكرنا ، ثم تزوجها بعد تملكه الديار المصرية بسنوات ، ثم غارت عليه لما بلغها أنه يريد أن يتزوج بنت صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ ، فعملت عليه حتى قتلته كما تقدم ذكره ، فتمالأ عليها مماليكه المعزية ، فقتلوها وألقوها على مزبلة ثلاثة أيام ، ثم نقلت إلى تربة لها بالقرب من قبر الست نفيسة - رحمها الله تعالى - وكانت قوية النفس; لما علمت أنه قد أحيط بها أتلفت شيئا كثيرا من الجواهر واللآلئ ، كسرته في الهاون ، لا لها ولا لغيرها ، وكان وزيرها في دولتها الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المعروف بابن حناء ، وهو أول مناصبه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الأسعد هبة الله بن صاعد شرف الدين الفائزي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لخدمته قديما الملك الفائز سابق الدين إبراهيم بن الملك العادل ، وكان نصرانيا فأسلم ، وكان كثير البر والصدقات والصلات ، استوزره المعز ، وكان حظيا عنده جدا ، لا يفعل شيئا إلا بعد مراجعته ومشاورته ، وكان قبله في الوزارة القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز ، وقبله القاضي بدر الدين السنجاري ، ثم صارت بعد ذلك كله إلى هذا الشيخ الأسعد المسلماني ، وقد كان الفائزي يكاتبه المعز بالمملوك ، ثم لما قتل المعز أهين الأسعد حتى صار شقيا ، وأخذ الأمير سيف الدين [ ص: 354 ] قطز خطه بمائة ألف دينار ، وقد هجاه بهاء الدين زهير بن علي ، فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعن الله صاعدا     وأباه فصاعدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبنيه فنازلا     واحدا ثم واحدا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قتل بعد ذلك كله ، ودفن بالقرافة ، وقد رثاه القاضي ناصر الدين بن المنير ، وله فيه مدائح وأشعار حسنة يقرظه بها ، فصيحة رائقة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن أبي الحديد العراقي الشاعر : عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين ، أبو حامد بن أبي الحديد ، عز الدين المدائني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الكاتب الشاعر المطبق الشيعي الغالي ، له شرح نهج البلاغة في عشرين مجلدا ، ولد بالمدائن سنة ست وثمانين وخمسمائة ، ثم صار إلى بغداد فكان أحد الكتاب والشعراء بالديوان الخليفتي ، وكان حظيا عند الوزير ابن العلقمي ، لما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع والأدب والفضيلة ، وقد أورد له ابن الساعي أشياء كثيرة من مدائحه وأشعاره الفائقة الرائقة ، وكان أكثر فضيلة وأدبا من أخيه أبي المعالي موفق الدين أحمد بن هبة الله ، وإن كان الآخر فاضلا بارعا أيضا ، وقد ماتا في هذه السنة ، رحمهما الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المشد الشاعر ، الأمير سيف الدين علي بن عمر بن قزل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مشد الديوان [ ص: 355 ] بدمشق ، وكان شاعرا مطبقا ، له ديوان مشهور ، وقد رآه بعضهم بعد موته ، فسأله عن حاله ، فأنشده :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نقلت إلى رمس القبور وضيقها     وخوفي ذنوبي أنها بي تعثر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصادفت رحمانا رءوفا وأنعما     حباني بها نفيا لما كنت أحذر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن كان حسن الظن في حال موته     جميلا بعفو الله فالعفو أجدر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بشارة بن عبد الله الأرمني الأصل ، بدر الدين الكاتب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مولى شبل الدولة المعظمي ، سمع الكندي وغيره ، وكان يكتب خطا جيدا ، وأسند إليه مولاه النظر في أوقافه ، وجعله في ذريته ، فهم إلى الآن ينظرون في الشبليين ، وكانت وفاته في النصف من رمضان من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة جمال الدين المصري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ناب عن أبيه ، ودرس بالشامية ، وله شعر فمنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صيرت فمي لفيه باللثم لثام     عمدا ورشفت من ثناياه مدام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فازور وقال أنت في الفقه إمام     ريقي خمر وعندك الخمر حرام



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية