الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
قاعدة في العموم والخصوص

لا يستدل بالصفة العامة إذا لم يظهر تقييد عدم التعميم ; ويستفاد ذلك من السياق ، ولهذا قال الشافعي : اللفظ بين في مقصوده ، ويحتمل في غير مقصوده .

فمنه قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ( التوبة : 34 ) لا يصلح الاحتجاج بها في إيجاب الزكاة في قليل الذهب والفضة وكثيرهما ، وفي المصوغ منهما من الحلي وغيره . ألا ترى أن من ملك دون النصاب منهما غير داخل في جملة المتوعدين بترك الإنفاق منهما ، وهذا يدل على أن القصد من الآية إثبات الحكم في ترك أداء الواجب من الزكاة منهما ; وفيها دليل على وجوب الزكاة فيهما ، وليس فيها بيان مقدار ما يجب من الحق فيهما .

وقوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون ( المؤمنون : 5 ) الآية ، القصد منها مدح قوم صانوا فروجهم عما لا يحل ، ولم يواقعوا بها إلا من كان بملك النكاح أو [ ص: 143 ] اليمين ; وليس في الآية بيان ما يحل منها وما لا يحل . ثم إذا احتيج إلى تفصيل ما يحل بالنكاح وملك اليمين صير إلى ما قصد تفصيله بقوله : حرمت عليكم أمهاتكم ( النساء : 23 ) الآية .

كذا قاله القفال الشاشي ; وفيه نظر لما سبق .

ومثله قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام ( البقرة : 187 ) إلى قوله : من الخيط الأسود ( البقرة : 187 ) ، فلو تعلق متعلق بقوله : وكلوا واشربوا ( البقرة : 187 ) في إباحة أكل أو شرب كل شيء قد اختلف فيه لكان لا معنى له ; لأن المخاطب قد غفل عن أنها لم ترد مبينة لذلك ، بل مبينة لحكم جواز الأكل والشرب والمباشرة إلى الفجر دفعا لما كان الناس عليه من حظر ذلك على من نام ، فبين في الآية إباحة ما كان محظورا ، ثم أطلق لفظ الأكل والشرب والمباشرة لا على معنى إبانة الحكم فيما يحل من ذلك وما يحرم ; ألا ترى أنه لا يدخل فيه شرب الخمر والدم وأكل الميتة ولا المباشرة فيما لا يبتغى منه الولد ; ومثله ( منه ) في القرآن كثير ، وهذا يدل على أن النظر في العموم إلى المعاني لا لإطلاق اللفظ .

قال القفال : ومن ضبط هذا الباب أفاده علوما كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية