الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1204 [ ص: 251 ] ( 15 ) باب طلاق البكر

                                                                                                                        1159 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن محمد بن إياس بن البكير ; أنه قال : طلق رجل امرأته ثلاثا [ ص: 252 ] قبل أن يدخل بها . ثم بدا له أن ينكحها ، فجاء يستفتي ، فذهبت معه أسأل له . فسأل عبد الله بن عباس وأبا هريرة عن ذلك ، فقالا : لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك . قال : فإنما طلاقي إياها واحدة .

                                                                                                                        قال ابن عباس : إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        6245 - قال أبو عمر : يريد بالبكر هنا : التي لم يدخل بها زوجها ، ثيبا كانت أو بكرا .

                                                                                                                        26246 - في هذا الحديث لزوم طلاق الثلاث المجتمعات .

                                                                                                                        26247 - وفيه أن غير المدخول بها كالمدخول بها في ذلك .

                                                                                                                        26248 - وعلى ذلك جمهور الفقهاء وجمهور العلماء في التسوية بين البكر وغير البكر ، والمدخول بها وغير المدخول بها ، أن الثلاث تحرمها على مطلقها حتى تنكح زوجا غيره .

                                                                                                                        26249 - وقد روي عن عطاء ، وطاوس ، وجابر بن زيد ; أنهم جعلوا الثلاث في التي لم يدخل بها واحدة .

                                                                                                                        [ ص: 253 ] 26250 - وروي ذلك عن طاوس ، عن ابن عباس في حديث أبي الصهباء .

                                                                                                                        26251 - حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثني أبو بكر محمد بن عثمان بن ثابت ، قال : حدثني إسماعيل بن إسحاق ، قال : أخبرنا علي بن المديني ، قال : حدثني سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، وعن أبي الشعثاء : إذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها فهي واحدة .

                                                                                                                        26252 - قال علي : قلت لسفيان : إن إبراهيم بن نافع قال عن عمرو ، عن طاوس ، وجابر بن زيد ، وسعيد بن جبير ، هي واحدة . قال سفيان : حفظته عن عمرو ، وجابر بن زيد ، وعطاء .

                                                                                                                        26253 - قال : وإن كان إبراهيم قال عنهم فهو كان حافظا أيضا .

                                                                                                                        26254 - وقالت بذلك فرقة شذت عن الجمهور الذين اجتماعهم حجة على من خالفهم ، منهم : داود ، وأهل الظاهر ، وقالوا : لن يصح عن ابن عباس إلا [ ص: 254 ] ما رواه عنه كتاب أصحابه ; طاوس ، وجابر بن زيد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير على حسب حديث أبي الصهباء عنهم .

                                                                                                                        26255 - قال أبو عمر : وممن روينا عنه أن الثلاث تحرم التي لم يدخل بها زوجها حتى تنكح زوجا غيره ، كالمدخول بها سواء : علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن مغفل ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وأنس ، وهو قول جماعة التابعين عمن ذكرنا .

                                                                                                                        26256 - وبه قال جماعة الأمصار : ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ، والحسن بن الحي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد الطبري .

                                                                                                                        26257 - وقد مضى هذا المعنى مجودا في أول باب الطلاق ، وذكرنا ما عليه أهل السنة والجماعة في طلاق الثلاث المجتمعات في المدخول بها ، وذكرنا أن الاختلاف في ذلك في غير المدخول بها من الشذوذ الذي لا [ ص: 255 ] يعرج عليه ; لأن حديث طاوس ، عن ابن عباس في قصة أبي الصهباء لم يتابع عليه طاوس ، وأن سائر أصحاب ابن عباس يروون عنه خلاف ذلك ، على ما قد بيناه فيما مضى .

                                                                                                                        26258 - وما كان ابن عباس ليروي عن النبي - عليه السلام - شيئا ثم يخالفه إلى رأي نفسه ، بل المعروف عنه أنه كان يقول : أنا أقول لكم : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنتم تقولون : أبو بكر وعمر ، قاله في فسخ الحج ، وغيره .

                                                                                                                        26259 - ومن هنا قال جمهور العلماء : إن حديث طاوس ، في قصة أبي الصهباء لا يصح معناه .

                                                                                                                        26260 - وقد أوضحنا ذلك بمبلغ وسعنا في أول كتاب الطلاق ، وبالله توفيقنا .

                                                                                                                        26261 - ومن الأسانيد في حديث طاوس ، عن ابن عباس : ما حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثني حمزة بن محمد ، قال : حدثني أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أبو داود ، قال : حدثني أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : أن أبا الصهباء جاء إلى ابن عباس ، فقال : يا ابن عباس : ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وصدر من خلافة عمر ، ترد إلى الواحدة ؟ فقال : نعم .

                                                                                                                        [ ص: 256 ] 26262 - وأما قول محمد بن إياس بن بكير في الحديث المذكور : فإنما طلاقي إياها واحدة ، فيحتمل وجهين .

                                                                                                                        ( أحدهما ) : أنه أراد : لم أرد إلا واحدة ، فأجابه ابن عباس : أنه قد لزمه ما أقر به على نفسه ، وقال : أرسلت من يترك ما كان له من فضل .

                                                                                                                        ( والآخر ) : أن قوله : إنما طلاقي إياها واحدة ، أي أن الثلاث في غير المدخول بها واحدة ، عند غيرك ، فلم يلتفت ابن عباس إليه ، وأخبره أن ذلك يلزمه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية