الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ذكر موسى لربه ما ينتفع به من العصا؛ فصل ما فصل؛ وأجمل ما أجمل؛ وقد نبهه الله (تعالى) إلى منفعة للعصا فوق كل ما ذكر; لأنها تكون ليست لغيره؛ وقد نبهه ربه إلى الإعجاز فيها؛ فقال: ألقها يا موسى الضمير يعود إلى العصا؛ أي: ألق ذات العصا التي بيدك؛ وهي العود من الخشب؛ فانظر كيف ينقلب ذلك العود إلى مخلوق آخر؛ وفي ندائه عند الإلقاء بكلمة يا موسى إدناء إليه؛ وتحبب له؛ وتقريب؛ فألقاها فإذا هي حية تسعى الضمير في قوله (تعالى): "فألقاها "؛ يعود إلى العصا؛ التي هي عود من شجر؛ والتي كانت منها المنافع التي ذكرها - عليه السلام -؛ ولها تلك الخواص الخشبية تنقلب حية تسعى؛ أي تكون من لحم يتلوى يمينا؛ وشمالا؛ بعد أن كانت خشبا يتوكأ عليه؛ وله فيها مآرب أخرى؛ وحاجات تكون من الخشب؛ لا من حية؛ والفاء؛ و "إذا "؛ للمفاجأة؛ وكانت المفاجأة في أنها تحولت من خشب جامد إلى حي متحرك؛ والحية هي الثعبان؛ ولكن لا يقال لها: ثعبان؛ إلا إذا كانت كبيرة؛ ويقال لها: جان؛ وهو الرفيع السريع الحركة من الحيات؛ وقد جاء في عبارة [ ص: 4715 ] القرآن عن حية موسى التعبيرات الثلاثة؛ فقال (تعالى): فإذا هي ثعبان مبين ؛ وقال (تعالى): فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف ؛ ويظهر أنها كانت تكون على حسب المقامات؛ فعندما التقى بسحرة فرعون كانت ثعبانا كبيرا يلقف ما يأفكون؛ ويظهر أن المفاجأة التي اعترت موسى - عليه السلام - إنما هي من انقلاب الخشب الجامد إلى حية تسعى؛ والسعي هو المشي السريع؛ ومن ذلك السعي بين الصفا؛ والمروة؛ فكانت المفاجأة من الانقلاب حية؛ وأنها تسير سيرا سريعا شديدا؛ ويظهر أنه من فرط المفاجأة ولى مدبرا ولم يعقب؛ كما قال (تعالى) في آية أخرى؛ قد تلوناها من قبل؛ وقد ناداه ربه: يا موسى أقبل ولا تخف ؛ وهنا قال له (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية