الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون

                                                                                                                                                                                                                                      219 - نزل في الخمر أربع آيات، نزل بمكة: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [النحل: 67] فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال، ثم إن عمر ونفرا من الصحابة قالوا: يا رسول الله، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل، مسلبة للمال، فنزل يسألونك عن الخمر والميسر فشربها قوم، وتركها آخرون، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة فشربوا وسكروا، فأم بعضهم فقرأ: (قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون) فنزل لا تقربوا [ ص: 182 ] الصلاة وأنتم سكارى [النساء: 43] فقل من يشربها، ثم دعا عتبان بن مالك جماعة فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا، فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل إنما الخمر والميسر إلى قوله: فهل أنتم منتهون [المائدة: 90- 91] فقال عمر: انتهينا يا رب، وعن علي -رضى الله عنه-: لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها، ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه، والخمر: ما غلي واشتد وقذف بالزبد من عصير العنب، وسميت بمصدر خمره خمرا إذا ستره; لتغطيتها العقل، والميسر: القمار، مصدر من يسر، كالموعد من فعله، يقال: يسرته إذا قمرته، واشتقاقه من اليسر; لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة بلا كد وتعب، أو من اليسار كأنه سلب يساره، وصفة الميسر: أنه كانت لهم عشرة أقداح، سبعة منها عليها خطوط، وهو: الفذ وله سهم، والتوأم وله سهمان، والرقيب وله ثلاثة، والحلس وله أربعة، والنافس وله خمسة، والمسبل وله ستة، والمعلى وله سبعة، وثلاثة أغفال لا نصيب لها وهي: المنيح، والسفيح، والوغد، فيجعلون الأقداح في خريطة، ويضعونها على يد عدل، ثم يجلجلها، ويدخل يده ويخرج باسم رجل قدحا قدحا منها، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا، وغرم ثمن الجزور كله. وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء، ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك، ويذمون من لم يدخل فيه، وفي حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما. والمعنى: يسألونك عما في تعاطيهما بدليل: قل فيهما إثم كبير بسبب التخاصم، والتشاتم، وقول الفحش والزور. (كثير) حمزة وعلي. ومنافع للناس بالتجارة في الخمر، والتلذذ بشربها، وفى الميسر بارتفاق الفقراء، أو نيل المال بلا كد. وإثمهما وعقاب الإثم في تعاطيهما، أكبر من نفعهما لأن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة، ويسألونك ماذا [ ص: 183 ] ينفقون قل العفو أي: الفضل، أي: أنفقوا ما فضل عن قدر الحاجة، وكان التصدق بالفضل في أول الإسلام فرضا، فإذا كان الرجل صاحب زرع أمسك قوت سنة وتصدق بالفضل، وإذا كان صانعا أمسك قوت يومه وتصدق بالفضل، فنسخت بآية الزكاة. (العفو) أبو عمرو. فمن نصبه جعل ماذا اسما واحدا فى موضع النصب بـ ينفقون والتقدير: قل ينفقون العفو، ومن رفعه جعل "ما" مبتدأ، وخبره "ذا" مع صلته، فذا بمعنى الذي، و ينفقون صلته، أي: ما الذي ينفقون؟ فجاء الجواب العفو، أي: هو العفو، فإعراب الجواب كإعراب السؤال; ليطابق الجواب السؤال كذلك الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، أي: تبيينا مثل هذا التبيين. يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية