الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1300 [ ص: 139 ] 84 - باب: ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين رواه ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [انظر: 1269] .

                                                                                                                                                                                                                              1366 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أنه قال: لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت إليه فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟! أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "أخر عني يا عمر". فلما أكثرت عليه قال: " إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها". قال: فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا إلى وهم فاسقون [التوبة: 84] قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، والله ورسوله أعلم. [4671 - فتح: 3 \ 228]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عمر في قصة عبد الله بن أبي بن سلول، وقد سلف في الباب، وقد اختلفت الروايات في قصته والله أعلم أي ذلك كان.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: فإن كان هذا محفوظا، فإنما ذكره عمر مخافة النسيان; لأنه بشر ينسى.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا إلى وهم فاسقون [التوبة: 84]) قال الداودي : إنما ذاك في قوم بأعيانهم يدل عليه قوله:؟ وممن حولكم من الأعراب؟ الآية [التوبة: 101] فلم ينه عما لا يعلم، وكذلك إخباره لحذيفة بسبعة عشر من المنافقين ليسوا جميعهم، وقد كانوا يناكحون [ ص: 140 ] المسلمين ويوارثونهم ويجري عليهم حكم الإسلام; لاستتارهم بكفرهم، ولم ينه الناس عن الصلاة عليهم، إنما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده، وكان عمر ينظر إلى حذيفة فإن شهد جنازة ممن يظن به شهده، وإلا لم يشهده، ولو كان أمرا ظاهرا لم يسره الشارع إلى حذيفة.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عن الطبري أنه يجب ترك الصلاة على معلن الكفر وفسره بهذه، قال: وأما المقام على قبره فغير محرم بل جائز لوليه القيام عليه لإصلاحه ودفنه، وبذلك صح الخبر وعمل به أهل العلم، وهذا خلاف ما قدمنا أن ولد الكافر لا يدفنه ولا يحضر دفنه، إلا أن يضيع فيواريه.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "النوادر" عن ابن سيرين : ما حرم الله الصلاة على أحد من أهل القبلة إلا على ثمانية عشر رجلا من المنافقين ، وقد سلف فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعلي: "اذهب فواره" يعني: أباك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 141 ] وروى سعيد بن جبير قال: مات رجل يهودي له ابن مسلم، فذكر ذلك لابن عباس فقال: كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح مادام حيا، فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قرأوما كان استغفار إبراهيم لأبيه الآية [التوبة: 114] .

                                                                                                                                                                                                                              وقال النخعي : توفيت أم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وهي نصرانية فاتبعها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكرمة للحارث، ولم يصلوا عليها. ثم فرض على جميع الأمة أن لا يدعى لمشرك ولا يستغفر له إذا ماتوا على شركهم. وقال تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية [التوبة: 113] وقد بين الله تعالى عذر إبراهيم في استغفاره لأبيه. فقال: إلا عن موعدة وعدها إياه [التوبة: 114] فدعا له وهو يرجو إنابته ورجوعه إلى الإيمان، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه.

                                                                                                                                                                                                                              ففي هذا من الفقه، أنه جائز أن يدعى لكل من يرجى من الكفار إنابته بالهداية مادام حيا; لأنه - صلى الله عليه وسلم - إذ شمته أحد المنافقين واليهود قال: "يهديكم الله ويصلح بالكم" وقد يعمل الرجل بعمل أهل النار ويختم له بعمل أهل الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: تصحيح القول بدليل الخطاب لاستعمال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن إخباره تعالى أنه لا يغفر له، ولو استغفر سبعين مرة، يحتمل أنه [ ص: 142 ] لو زاد عليها أنه يغفر له، لكن لما شهد الله تعالى أنه كافر بقوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله [التوبة: 80] دلت هذه الآية على تغليب أحد الاحتمالين، وهو أنه لا يغفر له لكفره، فلذلك أمسك - صلى الله عليه وسلم - عن الدعاء له.

                                                                                                                                                                                                                              وفي إقدام عمر على مراجعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه من الفقه أن الوزير الفاضل الناصح لا حرج عليه في أن يخبر سلطانه بما عنده من الرأي وإن كان مخالفا لرأيه، وكان عليه فيه بعض الخفاء إذا علم فضل الوزير وثقته وحسن مذهبه، فإنه لا يلزمه اللوم على ما يؤديه اجتهاده إليه، ولا يتوجه إليه سوء الظن، وأن صبر السلطان على ذلك من تمام فضله، ألا ترى سكوته - صلى الله عليه وسلم - عن عمر، وتركه الإنكار عليه، وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكبر الأسوة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية