الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          المطلب الرابع الذي طالب به ربه أن يكون معه أخوه هارون ردءا له؛ ليكونا معا أمام فرعون جبار الأرض في زمانه؛ وقد قال في ذلك: واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا "؛ "الوزير ": المعاون؛ وهو من "الوزر "؛ بمعنى أنه يحمل أوزار الأمر معه؛ أو من "الوزر "؛ بفتح الواو؛ والزاي؛ بمعنى: الملجأ؛ وهو بمعنى أنه يلجأ إليه في الملمات؛ أو من "المؤازرة "؛ بمعنى: المعاونة؛ والوزير الصادق المخلص؛ فيه هذه المعاني كلها؛ فهو يحمل التبعات؛ وهو ملجأ في الملمات؛ وهو معاون عندما تشتد الأمور وتدلهم؛ يعين برأيه وتدبيره؛ وقد ذكر أن يكون الوزير من أهله؛ وعين وزيره بالذات؛ وهو أخوه هارون؛ وقد ابتدأ بذكر الوزير مطلقا؛ ثم خصه أن يكون من أهله؛ ثم خصصه أخيرا بأن عينه بالذات؛ ولقد قال في سورة "القصص ": وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون

                                                          وقد طلب موسى - عليه السلام -؛ فيما يتعلق بأخيه؛ أمرين؛ أولهما: أنه يشد أزره؛ وهو الظهر؛ وهو كناية عن أنه يكون قوة له؛ كما قال في آية "القصص "؛ يكون ردءا؛ وثانيهما: قوله: وأشركه في أمري أي: اجعله شريكا لي في حمل أعباء الرسالة؛ وواجباتها؛ ولنلتقي بفرعون مجتمعين غير منفردين؛ ولعله طالب بأن يكون [ ص: 4721 ] معه أخوه هارون؛ لأنه ليس لفرعون يد عليه؛ أما موسى فقد رباه فرعون وعيره بذلك؛ فقال: ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ؛ وأنه وإن كان ذلك لا يمس مقام الرسالة فإن هارون ليس لفرعون عليه حق التربية الذي ادعاه فرعون؛ وإن هذا التآزر الذي دعا موسى ربه أن يجيبه؛ ذكر نتيجته؛ وأولى ثمراته؛ وهو كثرة التسبيح لله (تعالى)؛ وذكره؛ أي: نسبحك ونقدسك تقديسا كثيرا؛ ونذكرك في أنفسنا كثيرا؛ إذ نكون قوة تجهر بتقديسك وذكرك؛ ويكون معنا من بني إسرائيل من يسبحك كثيرا؛ ويذكرك ذكرا كثيرا؛ ويشيع ذكرك في أرض الفراعنة الذين استبد بهم فرعون؛ فمنع كل الناس من أن يذكروا غير اسمه؛ وإنك أنت علام الغيوب؛ وأعلم بنا من أنفسنا؛ ولذا قال - عليه السلام -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية