الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر بيعة الحاكم بأمر الله العباسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في السابع والعشرين من ربيع الآخر دخل الخليفة أبو العباس الحاكم بأمر الله أحمد بن الأمير أبي علي بن الأمير أبي بكر بن الإمام المسترشد بالله بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد من بلاد الشرق ، وصحبته [ ص: 437 ] جماعة من رءوس تلك البلاد وقد شهد الوقعة صحبة المستنصر ، وهرب هو في جماعة من المعركة فسلم فلما كان يوم دخوله تلقاه السلطان الظاهر ، وأظهر السرور له والاحتفال ، وأنزله في البرج الكبير ، وأجرى عليه الأرزاق الدارة والإحسان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر عزل الملك الظاهر الأمير جمال الدين آقوش النجيبي عن أستاذداريته ، واستبدل به غيره ، وبعد ذلك أرسله نائبا على الشام كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء تاسع رجب حضر السلطان الظاهر إلى دار العدل في محاكمة في بئر إلى بين يدي القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ، فقام الناس إلا القاضي ، فإنه أشار عليه أن لا يقوم ، وتداعيا ، وكان الحق مع السلطان ، وله بينه عادلة ، فانتزعت البئر من يد الغريم ، وكان أحد الأمراء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شوال استناب السلطان الملك الظاهر على حلب الأمير علاء الدين أيدكين الشهابي ، وحينئذ انحاز عسكر سيس على الفوعة من أرض حلب ، فركب إليهم الشهابي ، فكسرهم وأسر منهم جماعة ، فسيرهم إلى مصر فوسطوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 438 ] وفيها استناب السلطان على دمشق الأمير جمال الدين آقوش النجيبي ، وكان من أكابر الأمراء ، وعزل عنها علاء الدين طيبرس الوزيري ، وحمل إلى القاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي القعدة خرج مرسوم السلطان إلى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز أن يستنيب من كل مذهب من المذاهب الثلاثة نائبا ، فاستناب صدر الدين سليمان الحنفي ، والشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ العماد الحنبلي ، و شرف الدين عمر السبكي المالكي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي الحجة قدمت وفود كثيرة من التتار على الملك الظاهر مستأمنين ، فأكرمهم وأحسن إليهم ، وأقطعهم إقطاعات حسنة ، وكذلك فعل بأولاد صاحب الموصل ، ورتب لإخوانهم رواتب كافية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة أرسل هولاكو طائفة من جنده نحو عشرة آلاف ، فحاصروا الموصل ، ونصبوا عليها أربعة وعشرين منجنيقا ، وضاقت بها الأقوات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أرسل الملك الصالح إسماعيل بن لؤلؤ إلى البرلي يستنجده ، فقدم إليه فهزمت التتار ، ثم ثبتوا فالتقوا معه ، وإنما كان معه تسعمائة مقاتل ، فهزموه وجرحوه ، وعاد إلى البيرة ، وفارقه أكثر أصحابه إلى الديار المصرية ، ثم [ ص: 439 ] دخل هو إلى بين يدي السلطان الملك الظاهر ، فأنعم عليه ، وأحسن إليه ، وأقطعه تسعين فارسا ، وأما التتار فإنهم عادوا إلى الموصل ، ولم يزالوا حتى استنزلوا صاحبها الملك الصالح إليهم ، ونادوا في البلد بالأمان حتى اطمأن الناس ، ثم مالوا عليهم ، فقتلوهم تسعة أيام ، وقتلوا الملك الصالح إسماعيل وولده علاء الدين ، وخربوا أسوار البلد ، وتركوها بلاقع ، ثم كروا راجعين ، قبحهم الله أجمعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقع الخلف بين هولاكو وبين السلطان بركة ابن عمه ، وأرسل إليه بركة يطلب منه نصيبا مما فتحه من البلاد ، على ما جرت به عادتهم ، فقتل رسله ، فاشتد غضب بركة ، وكاتب الظاهر ليتفقا على هولاكو .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقع غلاء شديد بالشام ، فبيع القمح الغرارة بأربعمائة وخمسين ، والشعير بمائتين وخمسين ، واللحم الرطل بستة وبسبعة ، فبالله المستعان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحصل في النصف من شعبان خوف شديد من التتار ، فتجهز كثير من الناس إلى الديار المصرية ، وأبيعت الغلات حتى حواصل القلعة والأمراء ، [ ص: 440 ] ورسم ولاة الأمور على من له قدرة أن يسافر من دمشق إلى مصر ، ووقعت الرجفة في الشام وفي بلاد الروم أيضا ، ويقال : إنه حصل لبلاد التتر خوف شديد أيضا ، فسبحان الفعال لما يريد ، الذي بيده الأمر . وكان الآمر لأهل دمشق بالتحول منها إلى مصر نائبها الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري ، فأرسل السلطان إليه في ذي القعدة ، فأمسكه وعزله واستناب عليها جمال الدين آقوش النجيبي ، واستوزر بدمشق عز الدين بن وداعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة نزل القاضي شمس الدين بن خلكان عن تدريس الركنية للشيخ شهاب الدين أبي شامة ، وحضر عنده حين درس ، وأخذ في أول " مختصر المزني " ، أثابه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية