بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجنائز باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله وقيل لوهب بن منبه أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك
1180 حدثنا حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون واصل الأحدب عن عن المعرور بن سويد رضي الله عنه قال أبي ذر قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه
كتاب الجنائز
- باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله
- باب الأمر باتباع الجنائز
- باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه
- باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه
- باب الإذن بالجنازة
- باب فضل من مات له ولد فاحتسب
- باب قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري
- باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر
- باب ما يستحب أن يغسل وترا
- باب يبدأ بميامن الميت
- باب مواضع الوضوء من الميت
- باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل
- باب يجعل الكافور في آخره
- باب نقض شعر المرأة
- باب كيف الإشعار للميت
- باب هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون
- باب يلقى شعر المرأة خلفها
- باب الثياب البيض للكفن
- باب الكفن في ثوبين
- باب الحنوط للميت
- باب كيف يكفن المحرم
- باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ومن كفن بغير قميص
- باب الكفن بغير قميص
- باب الكفن بلا عمامة
- باب الكفن من جميع المال
- باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد
- باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه
- باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه
- باب اتباع النساء الجنائز
- باب إحداد المرأة على غير زوجها
- باب زيارة القبور
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته
- باب ما يكره من النياحة على الميت
- باب ليس منا من شق الجيوب
- باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة
- باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة
- باب ليس منا من ضرب الخدود
- باب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة
- باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن
- باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة
- باب الصبر عند الصدمة الأولى
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون
- باب البكاء عند المريض
- باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك
- باب القيام للجنازة
- باب متى يقعد إذا قام للجنازة
- باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام
- باب من قام لجنازة يهودي
- باب حمل الرجال الجنازة دون النساء
- باب السرعة بالجنازة
- باب قول الميت وهو على الجنازة قدموني
- باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام
- باب الصفوف على الجنازة
- باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز
- باب سنة الصلاة على الجنازة
- باب فضل اتباع الجنائز
- باب من انتظر حتى تدفن
- باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز
- باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد
- باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور
- باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها
- باب أين يقوم من المرأة والرجل
- باب التكبير على الجنازة أربعا
- باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة
- باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن
- باب الميت يسمع خفق النعال
- باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها
- باب الدفن بالليل
- باب بناء المسجد على القبر
- باب من يدخل قبر المرأة
- باب الصلاة على الشهيد
- باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد
- باب من لم ير غسل الشهداء
- باب من يقدم في اللحد
- باب الإذخر والحشيش في القبر
- باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة
- باب اللحد والشق في القبر
- باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام
- باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله
- باب الجريد على القبر
- باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله
- باب ما جاء في قاتل النفس
- باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين
- باب ثناء الناس على الميت
- باب ما جاء في عذاب القبر
- باب التعوذ من عذاب القبر
- باب عذاب القبر من الغيبة والبول
- باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي
- باب كلام الميت على الجنازة
- باب ما قيل في أولاد المسلمين
- باب ما قيل في أولاد المشركين
- باب موت يوم الاثنين
- باب موت الفجأة البغتة
- باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما
- باب ما ينهى من سب الأموات
- باب ذكر شرار الموتى
التالي
السابق
[ ص: 131 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم . كتاب الجنائز ) كذا للأصيلي ، ، والبسملة من الأصل ، وأبي الوقت ولكريمة " باب في الجنائز " وكذا لأبي ذر لكن بحذف " باب " والجنائز بفتح الجيم لا غير ، جمع جنازة بالفتح والكسر لغتان ، قال وجماعة : الكسر أفصح ، وقيل : بالكسر للنعش ، وبالفتح للميت ، وقالوا : لا يقال : نعش إلا إذا كان عليه الميت . ابن قتيبة
( تنبيه ) : أورد المصنف وغيره كتاب الجنائز بين الصلاة والزكاة لتعلقها بهما ، ولأن ، لما فيها من فائدة الدعاء له بالنجاة من العذاب ولا سيما عذاب القبر الذي سيدفن فيه . الذي يفعل بالميت من غسل وتكفين وغير ذلك أهمه الصلاة عليه
قوله : ( ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله ) قيل : أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود ، من طريق والحاكم ، عن كثير بن مرة الحضرمي معاذ بن جبل قال : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة الزين بن المنير : حذف المصنف جواب " من " من الترجمة مراعاة لتأويل فأبقاه إما ليوافقه أو ليبقي الخبر على ظاهره . وقد روى وهب بن منبه ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة : أنه لما احتضر أرادوا تلقينه ، فتذكروا حديث معاذ ، فحدثهم به أبو زرعة بإسناده ، وخرجت روحه في آخر قول لا إله إلا الله .
( تنبيه ) : كأن المصنف لم يثبت عنده في التلقين شيء على شرطه فاكتفى بما دل عليه ، وقد أخرجه مسلم من حديث من وجه آخر بلفظ : أبي هريرة وعن لقنوا موتاكم لا إله إلا الله أبي سعيد كذلك ، قال الزين بن المنير : هذا الخبر يتناول بلفظه من قالها فبغته الموت ، أو طالت حياته لكن لم يتكلم بشيء غيرها ، ويخرج بمفهومه من تكلم لكن استصحب حكمها من غير تجديد نطق بها ، فإن عمل أعمالا سيئة كان في المشيئة ، وإن عمل أعمالا صالحة فقضية سعة رحمة الله أن لا فرق بين الإسلام النطقي والحكمي المستصحب والله أعلم . [ ص: 132 ] انتهى . وحكى الترمذي عن أنه لقن عند الموت فأكثر عليه ، فقال : إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام . وهذا يدل على أنه كان يرى التفرقة في هذا المقام . والله أعلم . عبد الله بن المبارك
قوله : ( وقيل لوهب بن منبه : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله إلخ ) يجوز نصب مفتاح على أنه خبر مقدم ، ورفعه على أنه مبتدأ ، كأن القائل أشار إلى ما ذكر ابن إسحاق في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل قال له : العلاء بن الحضرمي ، وروي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه ، أخرجه إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل : مفتاحها لا إله إلا الله في الشعب وزاد : " البيهقي " . وهذه الزيادة نظير ما أجاب به ولكن مفتاح بلا أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك وهب ، فيحتمل أن تكون مدرجة في حديث معاذ . وأما أثر وهب فوصله المصنف في التاريخ ، وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن سعيد بن رمانة بضم الراء وتشديد الميم ، وبعد الألف نون ، قال : أخبرني أبي ، قال : قيل لوهب بن منبه ، فذكره . والمراد بقوله : لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة ، فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة . قال الزين بن المنير : قول : لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا . وأما قول وهب فمراده بالأسنان التزام الطاعة ، فلا يرد إشكال موافقة الخوارج وغيرهم أن أهل الكبائر لا يدخلون الجنة . وأما قوله : " لم يفتح له " ، فكأن مراده لم يفتح له فتحا تاما ، أو لم يفتح له في أول الأمر ، وهذا بالنسبة إلى الغالب ، وإلا فالحق أنهم في مشيئة الله تعالى . وقد أخرج بسند حسن ، عن سعيد بن منصور قريبا من كلامه هذا في التهليل ، ولفظه : " عن وهب بن منبه سماك بن الفضل ، عن : مثل الداعي بلا عمل مثل الرامي بلا وتر " . قال وهب بن منبه الداودي : قول وهب محمول على التشديد ، ولعله لم يبلغه حديث أبي ذر ؛ أي حديث الباب . والحق أن من قال : لا إله إلا الله مخلصا أتي بمفتاح وله أسنان ، ولكن من خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه قوية ، فربما طال علاجه . وقال ابن رشيد : يحتمل أن يكون مراد الإشارة إلى أن من البخاري كان ذلك مسقطا لما تقدم له ، والإخلاص يستلزم التوبة والندم ، ويكون النطق علما على ذلك . وأدخل حديث قال : لا إله إلا الله مخلصا عند الموت أبي ذر ليبين أنه لا بد من الاعتقاد ، ولهذا قال عقب حديث أبي ذر في كتاب اللباس : قال أبو عبد الله : هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم . ومعنى قول وهب : إن جئت بمفتاح له أسنان جياد ؛ فهو من باب حذف النعت إذا دل عليه السياق ، لأن مسمى المفتاح لا يعقل إلا بالأسنان ، وإلا فهو عود أو حديدة .
[ ص: 133 ] قوله : ( أتاني آت ) سماه في التوحيد من طريق شعبة ، عن واصل " جبريل " ، وجزم بقوله : " فبشرني " ، وزاد من طريق الإسماعيلي مهدي في أوله قصة ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له ، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا ، ثم أتانا فقال . فذكر الحديث . وأورده المصنف في اللباس من طريق أبي الأسود ، عن أبي ذر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ . فدل على أنها رؤيا منام .
قوله : ( من أمتي ) ؛ أي من أمة الإجابة ، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك ؛ أي أمة الدعوة وهو متجه .
قوله : ( لا يشرك بالله شيئا ) أورده المصنف في اللباس بلفظ : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك " ، الحديث . وإنما لم يورده المصنف هنا جريا على عادته في إيثار الخفي على الجلي ، وذلك أن نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد ، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله : من مات يشرك بالله دخل النار وقال القرطبي : معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية ، لكن هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن . الإيمان الشرعي
قوله : ( فقلت : وإن زنى وإن سرق ) قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والمقول له : الملك الذي بشره به ، وليس كذلك ، بل القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه المؤلف في اللباس . : " قال وللترمذي أبو ذر : يا رسول الله ، " . ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحا ، وأبو ذر قاله مستبعدا ، وقد جمع بينهما في الرقاق من طريق ، عن زيد بن وهب أبي ذر . قال الزين بن المنير : حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات ، وليس هو على ظاهره ، فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان ، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة ، ومن ثم رد صلى الله عليه وسلم على أبي ذر استبعاده . ويحتمل أن يكون المراد بقوله : " دخل الجنة " ؛ أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال ، وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب ، نسأل الله العفو والعافية . وفي هذا الحديث : " من قال : لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر ، أصابه قبل ذلك ما أصابه . وسيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق . وفي الحديث أن ، وأن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار ، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان . والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد ، وكأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر ، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل وبحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار . غير الموحدين لا يدخلون الجنة
[ ص: 134 ] قوله : ( على رغم أنف أبي ذر ) [1] بفتح الراء وسكون المعجمة ، ويقال : بضمها وكسرها ، وهو مصدر رغم بفتح الغين وكسرها ، مأخوذ من الرغم ، وهو التراب ، وكأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب .
( تنبيه ) : أورد المصنف وغيره كتاب الجنائز بين الصلاة والزكاة لتعلقها بهما ، ولأن ، لما فيها من فائدة الدعاء له بالنجاة من العذاب ولا سيما عذاب القبر الذي سيدفن فيه . الذي يفعل بالميت من غسل وتكفين وغير ذلك أهمه الصلاة عليه
قوله : ( ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله ) قيل : أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود ، من طريق والحاكم ، عن كثير بن مرة الحضرمي معاذ بن جبل قال : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة الزين بن المنير : حذف المصنف جواب " من " من الترجمة مراعاة لتأويل فأبقاه إما ليوافقه أو ليبقي الخبر على ظاهره . وقد روى وهب بن منبه ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة : أنه لما احتضر أرادوا تلقينه ، فتذكروا حديث معاذ ، فحدثهم به أبو زرعة بإسناده ، وخرجت روحه في آخر قول لا إله إلا الله .
( تنبيه ) : كأن المصنف لم يثبت عنده في التلقين شيء على شرطه فاكتفى بما دل عليه ، وقد أخرجه مسلم من حديث من وجه آخر بلفظ : أبي هريرة وعن لقنوا موتاكم لا إله إلا الله أبي سعيد كذلك ، قال الزين بن المنير : هذا الخبر يتناول بلفظه من قالها فبغته الموت ، أو طالت حياته لكن لم يتكلم بشيء غيرها ، ويخرج بمفهومه من تكلم لكن استصحب حكمها من غير تجديد نطق بها ، فإن عمل أعمالا سيئة كان في المشيئة ، وإن عمل أعمالا صالحة فقضية سعة رحمة الله أن لا فرق بين الإسلام النطقي والحكمي المستصحب والله أعلم . [ ص: 132 ] انتهى . وحكى الترمذي عن أنه لقن عند الموت فأكثر عليه ، فقال : إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام . وهذا يدل على أنه كان يرى التفرقة في هذا المقام . والله أعلم . عبد الله بن المبارك
قوله : ( وقيل لوهب بن منبه : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله إلخ ) يجوز نصب مفتاح على أنه خبر مقدم ، ورفعه على أنه مبتدأ ، كأن القائل أشار إلى ما ذكر ابن إسحاق في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل قال له : العلاء بن الحضرمي ، وروي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه ، أخرجه إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل : مفتاحها لا إله إلا الله في الشعب وزاد : " البيهقي " . وهذه الزيادة نظير ما أجاب به ولكن مفتاح بلا أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك وهب ، فيحتمل أن تكون مدرجة في حديث معاذ . وأما أثر وهب فوصله المصنف في التاريخ ، وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن سعيد بن رمانة بضم الراء وتشديد الميم ، وبعد الألف نون ، قال : أخبرني أبي ، قال : قيل لوهب بن منبه ، فذكره . والمراد بقوله : لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة ، فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة . قال الزين بن المنير : قول : لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا . وأما قول وهب فمراده بالأسنان التزام الطاعة ، فلا يرد إشكال موافقة الخوارج وغيرهم أن أهل الكبائر لا يدخلون الجنة . وأما قوله : " لم يفتح له " ، فكأن مراده لم يفتح له فتحا تاما ، أو لم يفتح له في أول الأمر ، وهذا بالنسبة إلى الغالب ، وإلا فالحق أنهم في مشيئة الله تعالى . وقد أخرج بسند حسن ، عن سعيد بن منصور قريبا من كلامه هذا في التهليل ، ولفظه : " عن وهب بن منبه سماك بن الفضل ، عن : مثل الداعي بلا عمل مثل الرامي بلا وتر " . قال وهب بن منبه الداودي : قول وهب محمول على التشديد ، ولعله لم يبلغه حديث أبي ذر ؛ أي حديث الباب . والحق أن من قال : لا إله إلا الله مخلصا أتي بمفتاح وله أسنان ، ولكن من خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه قوية ، فربما طال علاجه . وقال ابن رشيد : يحتمل أن يكون مراد الإشارة إلى أن من البخاري كان ذلك مسقطا لما تقدم له ، والإخلاص يستلزم التوبة والندم ، ويكون النطق علما على ذلك . وأدخل حديث قال : لا إله إلا الله مخلصا عند الموت أبي ذر ليبين أنه لا بد من الاعتقاد ، ولهذا قال عقب حديث أبي ذر في كتاب اللباس : قال أبو عبد الله : هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم . ومعنى قول وهب : إن جئت بمفتاح له أسنان جياد ؛ فهو من باب حذف النعت إذا دل عليه السياق ، لأن مسمى المفتاح لا يعقل إلا بالأسنان ، وإلا فهو عود أو حديدة .
[ ص: 133 ] قوله : ( أتاني آت ) سماه في التوحيد من طريق شعبة ، عن واصل " جبريل " ، وجزم بقوله : " فبشرني " ، وزاد من طريق الإسماعيلي مهدي في أوله قصة ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له ، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا ، ثم أتانا فقال . فذكر الحديث . وأورده المصنف في اللباس من طريق أبي الأسود ، عن أبي ذر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ . فدل على أنها رؤيا منام .
قوله : ( من أمتي ) ؛ أي من أمة الإجابة ، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك ؛ أي أمة الدعوة وهو متجه .
قوله : ( لا يشرك بالله شيئا ) أورده المصنف في اللباس بلفظ : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك " ، الحديث . وإنما لم يورده المصنف هنا جريا على عادته في إيثار الخفي على الجلي ، وذلك أن نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد ، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله : من مات يشرك بالله دخل النار وقال القرطبي : معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية ، لكن هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن . الإيمان الشرعي
قوله : ( فقلت : وإن زنى وإن سرق ) قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والمقول له : الملك الذي بشره به ، وليس كذلك ، بل القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه المؤلف في اللباس . : " قال وللترمذي أبو ذر : يا رسول الله ، " . ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحا ، وأبو ذر قاله مستبعدا ، وقد جمع بينهما في الرقاق من طريق ، عن زيد بن وهب أبي ذر . قال الزين بن المنير : حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات ، وليس هو على ظاهره ، فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان ، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة ، ومن ثم رد صلى الله عليه وسلم على أبي ذر استبعاده . ويحتمل أن يكون المراد بقوله : " دخل الجنة " ؛ أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال ، وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب ، نسأل الله العفو والعافية . وفي هذا الحديث : " من قال : لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر ، أصابه قبل ذلك ما أصابه . وسيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق . وفي الحديث أن ، وأن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار ، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان . والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد ، وكأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر ، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل وبحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار . غير الموحدين لا يدخلون الجنة
[ ص: 134 ] قوله : ( على رغم أنف أبي ذر ) [1] بفتح الراء وسكون المعجمة ، ويقال : بضمها وكسرها ، وهو مصدر رغم بفتح الغين وكسرها ، مأخوذ من الرغم ، وهو التراب ، وكأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب .