الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ( 17 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر . يقول : إن المساجد إنما تعمر لعبادة الله فيها ، لا للكفر به ، فمن كان بالله كافرا ، فليس من شأنه أن يعمر مساجد الله .

وأما شهادتهم على أنفسهم بالكفر ، فإنها كما : -

16552 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) ، يقول : ما ينبغي لهم أن يعمروها . وأما ( شاهدين على أنفسهم بالكفر ) ، فإن النصراني يسأل : ما أنت؟ فيقول : نصراني واليهودي ، فيقول : يهودي والصابئ ، فيقول : صابئ والمشرك يقول إذا سألته : ما دينك؟ فيقول : مشرك ! لم يكن ليقوله أحد إلا العرب .

16553 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو العنقزي ، عن أسباط ، عن [ ص: 166 ] السدي : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) ، قال : يقول : ما كان ينبغي لهم أن يعمروها .

16554 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( شاهدين على أنفسهم بالكفر ) ، قال : النصراني يقال له : ما أنت؟ فيقول : نصراني واليهودي يقال له : ما أنت؟ فيقول : يهودي والصابئ يقال له : ما أنت؟ فيقول : صابئ .

وقوله : ( أولئك حبطت أعمالهم ) ، يقول : بطلت وذهبت أجورها؛ لأنها لم تكن لله بل كانت للشيطان ( وفي النار هم خالدون ) ، يقول : ماكثون فيها أبدا ، لا أحياء ولا أمواتا .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) ، فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة : ( مساجد الله ) ، على الجماع .

وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين : ( مسجد الله ) ، على التوحيد ، بمعنى المسجد الحرام .

قال أبو جعفر : وهم جميعا مجمعون على قراءة قوله : ( إنما يعمر مساجد الله ) ، على الجماع ، لأنه إذا قرئ كذلك ، احتمل معنى الواحد والجماع ، لأن العرب [ ص: 167 ] قد تذهب بالواحد إلى الجماع ، وبالجماع إلى الواحد ، كقولهم : "عليه ثوب أخلاق" .

التالي السابق


الخدمات العلمية