[ ص: 205 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28995وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء
أردف أمر المؤمنين بأمر المؤمنات ; لأن الحكمة في الأمرين واحدة ، وتصريحا بما تقرر في أوامر الشريعة المخاطب بها الرجال من أنها تشمل النساء أيضا . ولكنه لما كان هذا الأمر قد يظن أنه خاص بالرجال ; لأنهم أكثر ارتكابا لضده وقع النص على هذا الشمول بأمر النساء بذلك أيضا .
وانتقل من ذلك إلى نهي النساء عن أشياء عرف منهن التساهل فيها ، ونهيهن عن إظهار أشياء تعودن أن يحببن ظهورها ، وجمعها القرآن في لفظ الزينة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها .
والزينة : ما يحصل به الزين . والزين : الحسن ، مصدر زانه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
جلل الله ذلك الوجه زينا
يقال : زين بمعنى حسن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات في سورة آل عمران ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=16وزيناها للناظرين في سورة الحجر .
والزينة قسمان خلقية ومكتسبة . فالخلقية : الوجه والكفان أو نصف الذراعين ، والمكتسبة : سبب التزين من اللباس الفاخر والحلي والكحل
[ ص: 206 ] والخضاب بالحناء . وقد أطلق اسم الزينة على اللباس في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده في سورة الأعراف ، وعلى اللباس الحسن في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59قال موعدكم يوم الزينة . والتزين يزيد المرأة حسنا ، ويلفت إليها الأنظار ; لأنها من الأحوال التي لا تقصد إلا لأجل التظاهر بالحسن ، فكانت لافتة أنظار الرجال ، فلذلك
nindex.php?page=treesubj&link=17544نهي النساء عن إظهار زينتهن إلا للرجال الذين ليس من شأنهم أن تتحرك منهم شهوة نحوها لحرمة قرابة أو صهر .
واستثني ما ظهر من الزينة وهو ما في ستره مشقة على المرأة أو في تركه حرج على النساء وهو ما كان من الزينة في مواضع العمل التي لا يجب سترها مثل الكحل والخضاب والخواتيم .
وقال
ابن العربي : إن الزينة نوعان خلقية ومصطنعة . فأما الخلقية فمعظم جسد المرأة وخاصة : الوجه والمعصمين والعضدين والثديين والساقين والشعر . وأما المصطنعة فهي ما لا يخلو عنه النساء عرفا مثل : الحلي وتطريز الثياب وتلوينها ومثل الكحل والخضاب بالحناء والسواك . والظاهر من الزينة الخلقية ما في إخفائه مشقة كالوجه والكفين والقدمين ، وضدها الخفية مثل أعالي الساقين والمعصمين والعضدين والنحر والأذنين . والظاهر من الزينة المصطنعة ما في تركه حرج على المرأة من جانب زوجها وجانب صورتها بين أترابها ، ولا تسهل إزالته عند البدو أمام الرجال وإرجاعه عند الخلو في البيت ، وكذلك ما كان محل وضعه غير مأمور بستره كالخواتيم بخلاف القرط والدمالج . واختلف في السوار والخلخال والصحيح أنهما من الزينة الظاهرة ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=17544أقر القرآن الخلخال بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن كما سيأتي . قال
ابن العربي : روى
ابن القاسم عن
مالك : ليس الخضاب من الزينة اهـ . ولم يقيده بخضاب اليدين . وقال
ابن العربي : والخضاب من الزينة الباطنة إذا كان في القدمين .
[ ص: 207 ] فمعنى ( ما ظهر منها ) ما كان موضعه مما لا تستره المرأة وهو الوجه والكفان والقدمان .
وفسر جمع من المفسرين الزينة بالجسد كله ، وفسر ما ظهر بالوجه والكفين قيل والقدمين والشعر . وعلى هذا التفسير فالزينة الظاهرة هي التي جعلها الله بحكم الفطرة بادية يكون سترها معطلا الانتفاع بها ، أو مدخلا حرجا على صاحبتها ، وذلك الوجه والكفان ، وأما القدمان فحالهما في الستر لا يعطل الانتفاع ولكنه يعسره ; لأن الحفاء غالب حال نساء البادية ، فمن أجل ذلك اختلف في سترهما الفقهاء ، ففي مذهب
مالك قولان : أشهرهما أنها يجب ستر قدميها ، وقيل : لا يجب ، وقال
أبو حنيفة : لا يجب ستر قدميها .
أما ما كان من محاسن المرأة ، ولم يكن عليها مشقة في ستره فليس مما ظهر من الزينة مثل النحر والثدي والعضد والمعصم وأعلى الساقين ، وكذلك ما له صورة حسنة في المرأة ، وإن كان غير معرى كالعجيزة والأعكان والفخذين ولم يكن مما في إرخاء الثوب عليه حرج عليها . وروى
مالك في الموطأ عن النبيء صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342229نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أراد اللواتي
nindex.php?page=treesubj&link=17673يلبسن من الثياب الخفيف الذي يصف ولا يستر ، أي هن كاسيات بالاسم عاريات بالحقيقة اهـ . وفي نسخة
nindex.php?page=showalam&ids=12996ابن بشكوال من الموطأ عن
القنازعي قال : فسر
مالك : إنهن يلبسن الثياب الرقاق التي لا تسترهن اهـ .
وفي سماع
ابن القاسم من جامع العتبية قال
مالك : بلغني أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=treesubj&link=17670نهى النساء عن لبس القباطي . قال
ابن رشد في شرحه : هي ثياب ضيقة تلتصق بالجسم لضيقها فتبدو ثخانة لابستها من نحافتها ، وتبدي ما يستحسن منها ، امتثالا لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها اهـ . وفي روايات
ابن وهب من جامع العتبية قال
مالك في الإماء يلبسن الأقبية : ما يعجبني فإذا شدته عليها كان إخراجا لعجزتها .
وجمهور الأئمة على أن استثناء إبداء الوجه والكفين من عموم منع إبداء زينتهن يقتضي إباحة
nindex.php?page=treesubj&link=33345إبداء الوجه والكفين في جميع الأحوال ; لأن
[ ص: 208 ] الشأن أن يكون للمستثنى جميع أحوال المستثنى منه . وتأوله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأنه استثناء في حالة الصلاة خاصة دون غيرها وهو تخصيص لا دليل عليه .
ونهين عن التساهل في الخمرة . والخمار : ثوب تضعه المرأة على رأسها لستر شعرها وجيدها وأذنيها ، وكان النساء ربما يسدلن الخمار إلى ظهورهن كما تفعل نساء الأنباط فيبقى العنق والنحر والأذنان غير مستورة فلذلك أمرن بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وليضربن بخمرهن على جيوبهن والضرب : تمكين الوضع وتقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا في سورة البقرة .
والمعنى : ليشددن وضع الخمر على الجيوب ، أي بحيث لا يظهر شيء من بشرة الجيب .
والباء في قوله ( بخمرهن ) لتأكيد اللصوق مبالغة في إحكام وضع الخمار على الجيب زيادة على المبالغة المستفادة من فعل ( يضربن ) .
والجيوب : جمع جيب بفتح الجيم وهو طوق القميص مما يلي الرقبة . والمعنى : وليضعن خمرهن على جيوب الأقمصة بحيث لا يبقى بين منتهى الخمار ومبدأ الجيب ما يظهر منه الجيد .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أعيد لفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يبدين زينتهن ) تأكيدا لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31ولا يبدين زينتهن المتقدم ، وليبني عليه الاستثناء في قوله : ( إلا لبعولتهن ) إلخ الذي مقتضى ظاهره أن يعطف على ( إلا لبعولتهن ) لبعد ما بين الأول والثاني ، أي لا يبدين زينتهن غير الظاهرة إلا لمن ذكروا بعد حرف الاستثناء لشدة الحرج في إخفاء الزينة غير الظاهرة في أوقات كثيرة ، فإن الملابسة بين المرأة وبين أقربائها وأصهارها المستثنين ملابسة متكررة ، فلو وجب عليها ستر زينتها في أوقاتها كان ذلك حرجا عليها .
وذكرت الآية اثني عشر مستثنى كلهم ممن يكثر دخولهم . وسكتت الآية عن غيرهم ممن هو في حكمهم بحسب المعنى . وسنذكر ذلك عند الفراغ من ذكر المصرح بهم في الآية .
[ ص: 209 ] 335 والبعولة : جمع بعل ، وهو الزوج ، وسيد الأمة . وأصل البعل الرب والمالك ( وسمي الصنم الأكبر عند
أهل العراق القدماء بعلا ، وجاء ذكره في القرآن في قصة
أهل نينوى ورسولهم إلياس ) فأطلق على الزوج ; لأن أصل الزواج ملك ، وقد بقي من آثار الملك فيه الصداق ; لأنه كالثمن . ووزن فعولة في الجموع قليل وغير مطرد ، وهو مزيد التاء في زنة فعول من جموع التكسير .
وكل من عد من الرجال الذين استثنوا من النهي هم من الذين لهم بالمرأة صلة شديدة هي وازع من أن يهموا بها . وفي سماع
ابن القاسم من كتاب الجامع من العتبية : سئل
مالك عن الرجل تضع أم امرأته عنده جلبابها قال : لا بأس بذلك . قال
ابن رشد في شرحه : لأن الله تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية ، فأباح الله تعالى أن تضع خمارها عن جيبها وتبدي زينتها عند ذوي محارمها من النسب أو الصهر اهـ . أي قاس
مالك زوج بنت المرأة على ابن زوج المرأة لاشتراكهما في حرمة الصهر .
والإضافة في قوله : ( نسائهن ) إلى ضمير ( المؤمنات ) : إن حملت على ظاهر الإضافة كانت دالة على أنهن النساء اللاتي لهن بهن مزيد اختصاص فقيل : المراد نساء أمتهن ، أي المؤمنات ، مثل الإضافة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، أي من رجال دينكم . ويجوز أن يكون المراد أو النساء . وإنما أضافهن إلى ضمير النسوة إتباعا لبقية المعدود .
قال
ابن العربي : إن في هذه الآية خمسة وعشرين ضميرا فجاء هذا للإتباع اهـ . أي فتكون الإضافة لغير داع معنوي ، بل لداع لفظي تقتضيه الفصاحة مثل الضميرين المضاف إليهما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها أي : ألهمها الفجور والتقوى ، فإضافتهما إلى الضمير إتباع للضمائر التي من أول السورة
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1والشمس وضحاها وكذلك قوله فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=11كذبت ثمود بطغواها [ ص: 210 ] أي بالطغوى وهي الطغيان فذكر ضمير ثمود مستغنى عنه لكنه جيء به لمحسن المزاوجة .
ومن هذين الاحتمالين اختلف الفقهاء في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=19333نظر النساء المشركات والكتابيات إلى ما يجوز للمرأة المسلمة إظهاره للأجنبي من جسدها . وكلام المفسرين من المالكية وكلام فقهائهم في هذا غير مضبوط . والذي يستخلص من كلامهم قول
خليل في التوضيح - عند قول
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : وعورة الحرة ما عدا الوجه والكفين - : ومقتضى كلام
سيدي أبي عبد الله بن الحاج : أما الكافرة فكالأجنبية مع الرجال اتفاقا اهـ .
وفي مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قولان : أحدهما : أن غير المسلمة لا ترى من المرأة المسلمة إلا الوجه والكفين . ورجحه
البغوي وصاحب المنهاج
البيضاوي واختاره
الفخر في التفسير . ونقل مثل هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وعلله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بأن غير المسلمة لا تتورع عن أن تصف لزوجها المسلمة . وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح : أنه بلغني أن نساء أهل
[ ص: 211 ] الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين ، فامنع من ذلك وحل دونه ، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة .
القول الثاني : أن المرأة غير المسلمة كالمسلمة . ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي .
ومذهب
أبي حنيفة كذلك فيه قولان : أصحهما أن المرأة غير المسلمة كالرجل الأجنبي فلا ترى من المرأة المسلمة إلا الوجه والكفين والقدمين ، وقيل : هي كالمرأة المسلمة .
وأما ما ملكت أيمانهن فهو رخصة ; لأن ستر المرأة زينتها عنهم مشقة عليها ، لكثرة ترددهم عليها ، ولأن كونه مملوكا لها وازع له ولها عن حدوث ما يحرم بينهما ، والإسلام وازع له من أن يصف المرأة للرجال .
وأما التابعون غير أولي الإربة من الرجال فهم صنف من الرجال الأحرار تشترك أفراده في الوصفين وهما التبعية وعدم الإربة .
فأما التبعية فهي كونهم من أتباع بيت المرأة وليسوا ملك يمينها ولكنهم يترددون على بيتها لأخذ الصدقة أو للخدمة .
والإربة : الحاجة . والمراد بها الحاجة إلى قربان النساء . وانتفاء هذه الحاجة تظهر في المجبوب والعنين والشيخ الهرم ، فرخص الله في إبداء الزينة لنظر هؤلاء لرفع المشقة عن النساء مع السلامة الغالبة من تطرق الشهوة وآثارها من الجانبين .
واختلف في الخصي غير التابع هل يلحق بهؤلاء على قولين مرويين عن السلف . وقد روي القولان عن
مالك . وذكر
ابن الفرس : أن الصحيح جواز دخوله على المرأة إذا اجتمع فيه الشرطان التبعية وعدم الإربة . وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان .
[ ص: 212 ] وأما قضية ( هيت ) المخنث أو المخصي ونهي النبيء صلى الله عليه وسلم نساءه أن يدخلن عليهن فتلك قضية عين تعلقت بحالة خاصة فيه . وهي وصفه النساء للرجال فتقصى على أمثاله ، ألا ترى أنه لم ينه عن دخوله على النساء قبل أن يسمع منه ما سمع .
وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31غير أولي الإربة بخفض ( غير ) . وقرأه
ابن عامر وأبو بكر عن
عاصم وأبو جعفر بنصب ( غير ) على الحال . ( والطفل ) مفرد مراد به الجنس ، فلذلك أجري عليه الجمع في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31الذين لم يظهروا وذلك مثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم نخرجكم طفلا أي : أطفالا .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31لم يظهروا على nindex.php?page=treesubj&link=28370عورات النساء لم يطلعوا عليها . وهذا كناية عن خلو بالهم من شهوة النساء وذلك ما قبل سن المراهقة .
ولم يذكر في عداد المستثنيات العم والخال فاختلف العلماء في مساواتهما في ذلك : فقال
الحسن والجمهور : هما مساويان لمن ذكر من المحارم وهو ظاهر مذهب
مالك إذ لم يذكر المفسرون من المالكية مثل
ابن الفرس وابن جزي عنه المنع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي بالمنع . وعلل التفرقة بأن العم والخال قد يصفان المرأة لأبنائهما ، وأبناؤهما غير محارم ، وهذا تعليل واه ; لأن وازع الإسلام يمنع من وصف المرأة .
[ ص: 213 ] والظاهر أن سكوت الآية عن العم والخال ليس لمخالفة حكمهما حكم بقية المحارم ، ولكنه اقتصار على الذين تكثر مزاولتهم بيت المرأة ، فالتعداد جرى على الغالب . ويلحق بهؤلاء القرابة من كان في مراتبهم من الرضاعة لقول النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341506يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . وجزم بذلك الحسن ، ولم أر فيه قولا للمالكية . وظاهر الحديث أن فيهم من الرخصة ما في محارم النسب والصهر .
[ ص: 205 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28995وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ
أَرْدَفَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنَاتِ ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْأَمْرَيْنِ وَاحِدَةٌ ، وَتَصْرِيحًا بِمَا تَقَرَّرَ فِي أَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ الْمُخَاطَبِ بِهَا الرِّجَالُ مِنْ أَنَّهَا تَشْمَلُ النِّسَاءَ أَيْضًا . وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ ; لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ ارْتِكَابًا لِضِدِّهِ وَقَعَ النَّصُّ عَلَى هَذَا الشُّمُولِ بِأَمْرِ النِّسَاءِ بِذَلِكَ أَيْضًا .
وَانْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى نَهْيِ النِّسَاءِ عَنْ أَشْيَاءَ عُرِفَ مِنْهُنَّ التَّسَاهُلُ فِيهَا ، وَنَهْيِهِنَّ عَنْ إِظْهَارِ أَشْيَاءَ تَعَوَّدْنَ أَنْ يُحْبِبْنَ ظُهُورَهَا ، وَجَمَعَهَا الْقُرْآنُ فِي لَفْظِ الزِّينَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهَنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا .
وَالزِّينَةُ : مَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّيْنُ . وَالزَّيْنُ : الْحُسْنُ ، مَصْدَرُ زَانَهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16674عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ :
جَلَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوَجْهَ زَيْنًا
يُقَالُ : زَيَّنَ بِمَعْنَى حَسَّنَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=16وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ .
وَالزِّينَةُ قِسْمَانِ خِلْقِيَّةٌ وَمُكْتَسَبَةٌ . فَالْخِلْقِيَّةُ : الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ أَوْ نِصْفُ الذِّرَاعَيْنِ ، وَالْمُكْتَسَبَةُ : سَبَبُ التَّزَيُّنِ مِنَ اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالْحُلِيِّ وَالْكُحْلِ
[ ص: 206 ] وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ . وَقَدْ أُطْلِقَ اسْمُ الزِّينَةِ عَلَى اللِّبَاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، وَعَلَى اللِّبَاسِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ . وَالتَّزَيُّنُ يَزِيدُ الْمَرْأَةَ حُسْنًا ، وَيَلْفِتُ إِلَيْهَا الْأَنْظَارَ ; لِأَنَّهَا مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا تُقْصَدُ إِلَّا لِأَجْلِ التَّظَاهُرِ بِالْحُسْنِ ، فَكَانَتْ لَافِتَةَ أَنْظَارِ الرِّجَالِ ، فَلِذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=17544نُهِيَ النِّسَاءُ عَنْ إِظْهَارِ زِينَتِهِنَّ إِلَّا لِلرِّجَالِ الَّذِينَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ تَتَحَرَّكَ مِنْهُمْ شَهْوَةٌ نَحْوَهَا لِحُرْمَةِ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ .
وَاسْتُثْنِيَ مَا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ وَهُوَ مَا فِي سَتْرِهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَوْ فِي تَرْكِهِ حَرَجٌ عَلَى النِّسَاءِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنَ الزِّينَةِ فِي مَوَاضِعِ الْعَمَلِ الَّتِي لَا يَجِبُ سِتْرُهَا مِثْلُ الْكُحْلِ وَالْخِضَابِ وَالْخَوَاتِيمِ .
وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إِنَّ الزِّينَةَ نَوْعَانِ خِلْقِيَّةٌ وَمُصْطَنَعَةٌ . فَأَمَّا الْخِلْقِيَّةُ فَمُعْظَمُ جَسَدِ الْمَرْأَةِ وَخَاصَّةً : الْوَجْهُ وَالْمِعْصَمَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالثَّدْيَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالشَّعْرُ . وَأَمَّا الْمُصْطَنَعَةُ فَهِيَ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النِّسَاءُ عُرْفًا مِثْلَ : الْحُلِيِّ وَتَطْرِيزِ الثِّيَابِ وَتَلْوِينِهَا وَمِثْلَ الْكُحْلِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَالسِّوَاكِ . وَالظَّاهِرُ مِنَ الزِّينَةِ الْخِلْقِيَّةِ مَا فِي إِخْفَائِهِ مَشَقَّةٌ كَالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، وَضِدُّهَا الْخَفِيِّةُ مِثْلَ أَعَالِي السَّاقَيْنِ وَالْمِعْصَمَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالنَّحْرِ وَالْأُذُنَيْنِ . وَالظَّاهِرُ مِنَ الزِّينَةِ الْمُصْطَنَعَةِ مَا فِي تَرْكِهِ حَرَجٌ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ جَانِبِ زَوْجِهَا وَجَانِبِ صُورَتِهَا بَيْنَ أَتْرَابِهَا ، وَلَا تَسْهُلُ إِزَالَتُهُ عِنْدَ الْبَدْوِ أَمَامَ الرِّجَالِ وَإِرْجَاعُهُ عِنْدَ الْخُلُوِّ فِي الْبَيْتِ ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَحَلُّ وَضْعِهِ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِسَتْرِهِ كَالْخَوَاتِيمِ بِخِلَافِ الْقُرْطِ وَالدَّمَالِجِ . وَاخْتُلِفَ فِي السُّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مِنَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=17544أَقَرَّ الْقُرْآنُ الْخَلْخَالَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ كَمَا سَيَأْتِي . قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : رَوَى
ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ : لَيْسَ الْخِضَابُ مِنَ الزِّينَةِ اهـ . وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِخِضَابِ الْيَدَيْنِ . وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالْخِضَابُ مِنَ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ إِذَا كَانَ فِي الْقَدَمَيْنِ .
[ ص: 207 ] فَمَعْنَى ( مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) مَا كَانَ مَوْضِعُهُ مِمَّا لَا تَسْتُرُهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَالْقَدَمَانِ .
وَفَسَّرَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الزِّينَةَ بِالْجَسَدِ كُلِّهِ ، وَفَسَّرَ مَا ظَهَرَ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ قِيلَ وَالْقَدَمَيْنِ وَالشَّعْرِ . وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ بِحُكْمِ الْفِطْرَةِ بَادِيَةً يَكُونُ سَتْرَهَا مُعَطِّلًا الِانْتِفَاعَ بِهَا ، أَوْ مُدْخِلًا حَرَجًا عَلَى صَاحِبَتِهَا ، وَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ، وَأَمَّا الْقَدَمَانِ فَحَالُهُمَا فِي السَّتْرِ لَا يُعَطِّلُ الِانْتِفَاعَ وَلَكِنَّهُ يُعَسِّرُهُ ; لِأَنَّ الْحَفَاءَ غَالِبُ حَالِ نِسَاءِ الْبَادِيَةِ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي سَتْرِهِمَا الْفُقَهَاءُ ، فَفِي مَذْهَبِ
مَالِكٍ قَوْلَانِ : أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا يَجِبُ سَتْرُ قَدَمَيْهَا ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجِبُ سَتْرُ قَدَمَيْهَا .
أَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ فِي سَتْرِهِ فَلَيْسَ مِمَّا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ مِثْلَ النَّحْرِ وَالثَّدْيِ وَالْعَضُدِ وَالْمِعْصَمِ وَأَعْلَى السَّاقَيْنِ ، وَكَذَلِكَ مَا لَهُ صُورَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْمَرْأَةِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَرًّى كَالْعَجِيزَةِ وَالْأَعْكَانِ وَالْفَخْذَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا فِي إِرْخَاءِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ حَرَجٌ عَلَيْهَا . وَرَوَى
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342229نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَرَادَ اللَّوَاتِي
nindex.php?page=treesubj&link=17673يَلْبَسْنَ مِنَ الثِّيَابِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَصِفُ وَلَا يَسْتُرُ ، أَيْ هُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسْمِ عَارِيَاتٌ بِالْحَقِيقَةِ اهـ . وَفِي نُسْخَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12996ابْنِ بَشْكُوَالٍ مِنَ الْمُوَطَّأِ عَنِ
الْقُنَازِعِيِّ قَالَ : فَسَّرَ
مَالِكٌ : إِنَّهُنَّ يَلْبَسْنَ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ الَّتِي لَا تَسْتُرُهُنَّ اهـ .
وَفِي سَمَاعِ
ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْعَتَبِيِّةِ قَالَ
مَالِكٌ : بَلَغَنِي أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ nindex.php?page=treesubj&link=17670نَهَى النِّسَاءَ عَنْ لُبْسِ الْقَبَاطِيِّ . قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ : هِيَ ثِيَابٌ ضَيِّقَةٌ تَلْتَصِقُ بِالْجِسْمِ لِضِيقِهَا فَتَبْدُو ثَخَانَةُ لَابِسَتِهَا مِنْ نَحَافَتِهَا ، وَتُبْدِي مَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهَا ، امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا اهـ . وَفِي رِوَايَاتِ
ابْنِ وَهْبٍ مِنْ جَامِعِ الْعَتَبِيِّةِ قَالَ
مَالِكٌ فِي الْإِمَاءِ يَلْبَسْنَ الْأَقْبِيَةَ : مَا يُعْجِبُنِي فَإِذَا شَدَّتْهُ عَلَيْهَا كَانَ إِخْرَاجًا لِعَجْزَتِهَا .
وَجُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ إِبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ عُمُومِ مَنْعِ إِبْدَاءِ زِينَتِهِنَّ يَقْتَضِي إِبَاحَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=33345إِبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ; لِأَنَّ
[ ص: 208 ] الشَّأْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَثْنَى جَمِيعُ أَحْوَالِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ . وَتَأَوَّلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ تَخْصِيصٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ .
وَنُهِينَ عَنِ التَّسَاهُلِ فِي الْخَمْرَةِ . وَالْخِمَارُ : ثَوْبٌ تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا لِسَتْرِ شَعْرِهَا وَجِيدِهَا وَأُذُنَيْهَا ، وَكَانَ النِّسَاءُ رُبَّمَا يُسْدِلْنَ الْخِمَارَ إِلَى ظُهُورِهِنَّ كَمَا تَفْعَلُ نِسَاءُ الْأَنْبَاطِ فَيَبْقَى الْعُنُقُ وَالنَّحْرُ وَالْأُذُنَانِ غَيْرَ مَسْتُورَةٍ فَلِذَلِكَ أُمِرْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَالضَّرْبُ : تَمْكِينُ الْوَضْعِ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْمَعْنَى : لِيَشْدُدْنَ وَضْعَ الْخُمُرِ عَلَى الْجُيُوبِ ، أَيْ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ شَيْءٌ مِنْ بَشْرَةِ الْجَيْبِ .
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ ( بِخُمُرِهِنَّ ) لِتَأْكِيدِ اللُّصُوقِ مُبَالَغَةً فِي إِحْكَامِ وَضْعِ الْخِمَارِ عَلَى الْجَيْبِ زِيَادَةً عَلَى الْمُبَالَغَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ فِعْلِ ( يَضْرِبْنَ ) .
وَالْجُيُوبُ : جَمْعُ جَيْبٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ طَوْقُ الْقَمِيصِ مِمَّا يَلِي الرَّقَبَةَ . وَالْمَعْنَى : وَلِيَضَعْنَ خُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِ الْأَقْمِصَةِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى بَيْنَ مُنْتَهَى الْخِمَارِ وَمَبْدَأِ الْجَيْبِ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْجِيدُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أُعِيدَ لَفْظُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الْمُتَقَدِّمِ ، وَلِيَبْنِيَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ : ( إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) إِلَخْ الَّذِي مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى ( إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، أَيْ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ غَيْرَ الظَّاهِرَةِ إِلَّا لِمَنْ ذَكَرُوا بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ لِشِدَّةِ الْحَرَجِ فِي إِخْفَاءِ الزِّينَةِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ ، فَإِنَّ الْمُلَابَسَةَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهَا وَأَصْهَارِهَا الْمُسْتَثْنَيْنَ مُلَابَسَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا سَتْرُ زِينَتِهَا فِي أَوْقَاتِهَا كَانَ ذَلِكَ حَرَجًا عَلَيْهَا .
وَذَكَرَتِ الْآيَةُ اثْنَيْ عَشَرَ مُسْتَثْنًى كُلُّهُمْ مِمَّنْ يَكْثُرُ دُخُولُهُمْ . وَسَكَتَتِ الْآيَةُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ فِي حُكْمِهِمْ بِحَسَبِ الْمَعْنَى . وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْفَرَاغِ مَنْ ذِكْرِ الْمُصَرَّحِ بِهِمْ فِي الْآيَةِ .
[ ص: 209 ] 335 وَالْبُعُولَةُ : جَمْعُ بَعْلٍ ، وَهُوَ الزَّوْجُ ، وَسَيِّدُ الْأَمَةِ . وَأَصْلُ الْبَعْلِ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ ( وَسُمِّيَ الصَّنَمُ الْأَكْبَرُ عِنْدَ
أَهْلِ الْعِرَاقِ الْقُدَمَاءِ بَعْلًا ، وَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ
أَهْلِ نِينَوَى وَرَسُولِهِمْ إِلْيَاسَ ) فَأُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجِ ; لِأَنَّ أَصْلَ الزَّوَاجِ مِلْكٌ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فِيهِ الصَّدَاقُ ; لِأَنَّهُ كَالثَّمَنِ . وَوَزْنُ فُعُولَةٍ فِي الْجُمُوعِ قَلِيلٌ وَغَيْرُ مُطَّرِدٍ ، وَهُوَ مَزِيدُ التَّاءِ فِي زِنَةِ فُعُولٍ مِنْ جُمُوعِ التَّكْسِيرِ .
وَكُلُّ مَنْ عُدَّ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ اسْتُثْنَوْا مِنَ النَّهْيِ هُمْ مِنَ الَّذِينَ لَهُمْ بِالْمَرْأَةِ صِلَةٌ شَدِيدَةٌ هِيَ وَازِعٌ مِنْ أَنْ يَهِمُّوا بِهَا . وَفِي سَمَاعِ
ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنَ الْعَتَبِيِّةِ : سُئِلَ
مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ تَضَعُ أُمُّ امْرَأَتِهِ عِنْدَهُ جِلْبَابَهَا قَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ . قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ الْآيَةَ ، فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَضَعَ خِمَارَهَا عَنْ جَيْبِهَا وَتُبْدِي زِينَتَهَا عِنْدَ ذَوِي مَحَارِمِهَا مِنَ النَّسَبِ أَوِ الصِّهْرِ اهـ . أَيْ قَاسَ
مَالِكٌ زَوْجَ بِنْتِ الْمَرْأَةِ عَلَى ابْنِ زَوْجِ الْمَرْأَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي حُرْمَةِ الصِّهْرِ .
وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ : ( نِسَائِهِنَّ ) إِلَى ضَمِيرِ ( الْمُؤْمِنَاتِ ) : إِنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِ الْإِضَافَةِ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي لَهُنَّ بِهِنَّ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ فَقِيلَ : الْمُرَادُ نِسَاءُ أُمَّتِهِنَّ ، أَيِ الْمُؤْمِنَاتُ ، مِثْلُ الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ، أَيْ مِنْ رِجَالِ دِينِكُمْ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَوِ النِّسَاءُ . وَإِنَّمَا أَضَافَهُنَّ إِلَى ضَمِيرِ النِّسْوَةِ إِتْبَاعًا لِبَقِيَّةِ الْمَعْدُودِ .
قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضَمِيرًا فَجَاءَ هَذَا لِلْإِتْبَاعِ اهـ . أَيْ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ لِغَيْرِ دَاعٍ مَعْنَوِيٍّ ، بَلْ لِدَاعٍ لَفْظِيٍّ تَقْتَضِيهِ الْفَصَاحَةُ مِثْلُ الضَّمِيرَيْنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا أَيْ : أَلْهَمَهَا الْفُجُورَ وَالتَّقْوَى ، فَإِضَافَتُهُمَا إِلَى الضَّمِيرِ إِتْبَاعٌ لِلضَّمَائِرِ الَّتِي مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=11كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [ ص: 210 ] أَيْ بِالطَّغْوَى وَهِيَ الطُّغْيَانُ فَذَكَرَ ضَمِيرَ ثَمُودَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لَكِنَّهُ جِيءَ بِهِ لِمُحَسِّنِ الْمُزَاوَجَةِ .
وَمِنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=19333نَظَرِ النِّسَاءِ الْمُشْرِكَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ إِلَى مَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِظْهَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ جَسَدِهَا . وَكَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَكَلَامُ فُقَهَائِهِمْ فِي هَذَا غَيْرُ مَضْبُوطٍ . وَالَّذِي يُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلَامِهِمْ قَوْلُ
خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ - عِنْدَ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ : وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ - : وَمُقْتَضَى كَلَامِ
سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ : أَمَّا الْكَافِرَةُ فَكَالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الرِّجَالِ اتِّفَاقًا اهـ .
وَفِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ لَا تَرَى مِنَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ . وَرَجَّحَهُ
الْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمِنْهَاجِ
الْبَيْضَاوِيِّ وَاخْتَارَهُ
الْفَخْرُ فِي التَّفْسِيرِ . وَنُقِلَ مِثْلُ هَذَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَلَّلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ لَا تَتَوَرَّعُ عَنْ أَنْ تَصِفَ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمَةَ . وَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=5أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ : أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ
[ ص: 211 ] الذِّمَّةِ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، فَامْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَحِلْ دُونَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَرَى الذِّمِّيَّةُ عُرْيَةَ الْمُسْلِمَةِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ كَالْمُسْلِمَةِ . وَرَجَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ .
وَمَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ فِيهِ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا تَرَى مِنَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، وَقِيلَ : هِيَ كَالْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ .
وَأَمَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ فَهُوَ رُخْصَةٌ ; لِأَنَّ سَتْرَ الْمَرْأَةِ زِينَتَهَا عَنْهُمْ مَشَقَّةٌ عَلَيْهَا ، لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهِمْ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّ كَوْنَهُ مَمْلُوكًا لَهَا وَازِعٌ لَهُ وَلَهَا عَنْ حُدُوثِ مَا يَحْرُمُ بَيْنَهُمَا ، وَالْإِسْلَامُ وَازِعٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَصِفَ الْمَرْأَةَ لِلرِّجَالِ .
وَأَمَّا التَّابِعُونَ غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ فَهُمْ صِنْفٌ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ تَشْتَرِكُ أَفْرَادُهُ فِي الْوَصْفَيْنِ وَهْمَا التَّبَعِيَّةُ وَعَدَمُ الْإِرْبَةِ .
فَأَمَّا التَّبَعِيَّةُ فَهِيَ كَوْنُهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسُوا مِلْكَ يَمِينِهَا وَلَكِنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ عَلَى بَيْتِهَا لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ .
وَالْإِرْبَةُ : الْحَاجَةُ . وَالْمُرَادُ بِهَا الْحَاجَةُ إِلَى قُرْبَانِ النِّسَاءِ . وَانْتِفَاءُ هَذِهِ الْحَاجَةِ تَظْهَرُ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ ، فَرَخَّصَ اللَّهُ فِي إِبْدَاءِ الزِّينَةِ لِنَظَرِ هَؤُلَاءِ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ عَنِ النِّسَاءِ مَعَ السَّلَامَةِ الْغَالِبَةِ مَنْ تَطَرُّقِ الشَّهْوَةِ وَآثَارِهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ .
وَاخْتُلِفَ فِي الْخَصِيِّ غَيْرِ التَّابِعِ هَلْ يُلْحَقُ بِهَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَرْوِيَّيْنِ عَنِ السَّلَفِ . وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ
مَالِكٍ . وَذَكَرَ
ابْنُ الْفَرَسِ : أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الشَّرْطَانِ التَّبَعِيَّةُ وَعَدَمُ الْإِرْبَةِ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ .
[ ص: 212 ] وَأَمَّا قَضِيَّةُ ( هِيتٍ ) الْمُخَنَّثِ أَوِ الْمَخْصِيِّ وَنَهْيُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْهِنَّ فَتِلْكَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ تَعَلَّقَتْ بِحَالَةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ . وَهِيَ وَصْفُهُ النِّسَاءَ لِلرِّجَالِ فَتَقَصَّى عَلَى أَمْثَالِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ دُخُولِهِ عَلَى النِّسَاءِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ مَا سَمِعَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ بِخَفْضِ ( غَيْرِ ) . وَقَرَأَهُ
ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِنَصْبِ ( غَيْرَ ) عَلَى الْحَالِ . ( وَالطِّفْلِ ) مُفْرَدٌ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ ، فَلِذَلِكَ أُجْرِيَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أَيْ : أَطْفَالًا .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى nindex.php?page=treesubj&link=28370عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهَا . وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ خُلُوِّ بَالِهِمْ مِنْ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَذَلِكَ مَا قَبْلَ سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ .
وَلَمْ يُذْكَرْ فِي عِدَادِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الْعَمُّ وَالْخَالُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُسَاوَاتِهِمَا فِي ذَلِكَ : فَقَالَ
الْحَسَنُ وَالْجُمْهُورُ : هُمَا مُسَاوِيَانِ لِمَنْ ذُكِرَ مِنَ الْمَحَارِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ
مَالِكٍ إِذْ لَمْ يَذْكُرِ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَثَلُ
ابْنِ الْفَرَسِ وَابْنِ جُزَيٍّ عَنْهُ الْمَنْعَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ بِالْمَنْعِ . وَعَلَّلَ التَّفْرِقَةَ بِأَنَّ الْعَمَّ وَالْخَالَ قَدْ يَصِفَانِ الْمَرْأَةَ لِأَبْنَائِهِمَا ، وَأَبْنَاؤُهُمَا غَيْرُ مَحَارِمَ ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ وَاهٍ ; لِأَنَّ وَازِعَ الْإِسْلَامِ يَمْنَعُ مَنْ وَصْفِ الْمَرْأَةِ .
[ ص: 213 ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُكُوتَ الْآيَةِ عَنِ الْعَمِّ وَالْخَالِ لَيْسَ لِمُخَالَفَةِ حُكْمِهِمَا حُكْمَ بَقِيَّةِ الْمَحَارِمِ ، وَلَكِنَّهُ اقْتِصَارٌ عَلَى الَّذِينَ تَكْثُرُ مُزَاوَلَتُهُمْ بَيْتَ الْمَرْأَةِ ، فَالتَّعْدَادُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ . وَيَلْحَقُ بِهَؤُلَاءِ الْقَرَابَةِ مَنْ كَانَ فِي مَرَاتِبِهِمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ لِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341506يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ . وَجَزَمَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ قَوْلًا لِلْمَالِكِيَّةِ . وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ فِيهِمْ مِنَ الرُّخْصَةِ مَا فِي مَحَارِمِ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ .