الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال صاحب " المنازل " :

الرجاء على ثلاث درجات : الدرجة الأولى : رجاء يبعث العامل على الاجتهاد . ويولد التلذذ بالخدمة ، ويوقظ الطباع للسماحة بترك المناهي .

[ ص: 53 ] أي ينشطه لبذل جهده لما يرجوه من ثواب ربه . فإن من عرف قدر مطلوبه هان عليه ما يبذل فيه .

وأما توليده للتلذذ بالخدمة فإنه كلما طالع قلبه ثمرتها وحسن عاقبتها التذ بها . وهذا كحال من يرجو الأرباح العظيمة في سفره ، ويقاسي مشاق السفر لأجلها . فكلما صورها لقلبه هانت عليه تلك المشاق والتذ بها . وكذلك المحب الصادق الساعي في مراضي محبوبه الشاقة عليه ، كلما تأمل ثمرة رضاه عنه وقبوله سعيه ، وقربه منه تلذذ بتلك المساعي ، وكلما قوي علم العبد بإفضاء ذلك السبب إلى المسبب المطلوب ، وقوي علمه بقدر المسبب وقرب السبب منه ازداد التذاذا بتعاطيه .

وأما إيقاظ الطباع للسماحة بترك المناهي : فإن الطباع لها معلوم ورسوم تتقاضاها من العبد . ولا تسمح له بتركها إلا بعوض هو أحب إليها من معلومها ورسومها ، وأجل عندها منه وأنفع لها . فإذا قوي تعلق الرجاء بهذا العوض الأفضل الأشرف سمحت الطباع بترك تلك الرسوم وذلك المعلوم . فإن النفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب هو أحب إليها منه . أو حذرا من مخوف هو أعظم مفسدة لها من حصول مصلحتها بذلك المحبوب . وفي الحقيقة ففرارها من ذلك المخوف إيثار لضده المحبوب لها . فما تركت محبوبا إلا لما هو أحب إليها منه . فإن من قدم إليه طعام لذيذ يضره ويوجب له السقم . فإنما يتركه محبة للعافية التي هي أحب إليه من ذلك الطعام .

التالي السابق


الخدمات العلمية