الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 201 ] باب الباء والحاء وما معهما في الثلاثي

                                                          ( بحر ) الباء والحاء والراء . قال الخليل سمي البحر بحرا لاستبحاره وهو انبساطه وسعته . واستبحر فلان في العلم ، وتبحر الراعي في رعي كثير . قال أمية :


                                                          انعق بضانك في بقل تبحره بين الأباطح واحبسها بجلدان

                                                          وتبحر فلان في المال . ورجل بحر : إذا كان سخيا ، سموه لفيض كفه بالعطاء كما يفيض البحر . قال العامري : أبحر القوم : إذا ركبوا البحر ، وأبروا أخذوا في البر . قال أبو زيد : بحرت الإبل أكلت شجر البحر . وبحر الرجل سبح في البحر فانقطعت سباحته . ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبة استبحر وماء بحر ، أي : ملح . قال :


                                                          وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني     على مرضي أن أبحر المشرب العذب

                                                          قال : والأنهار كلها بحار . قال الفراء : البحرة الروضة . وقال الأموي : البحرة البلدة . ويقال : هذه بحرتنا قال بعضهم : البحرة الفجوة من الأرض تتسع . قال النمر بن تولب :

                                                          [ ص: 202 ]

                                                          وكأنها دقرى تخيل ، نبتها     أنف ، يغم الضال نبت بحارها

                                                          والأصل الثاني داء ، يقال : بحرت الغنم وأبحروها : إذا أكلت عشبا عليه ندى فبحرت عنه ، وذلك أن تخمص بطونها وتهلس أجسامها . قال الشيباني : بحرت الإبل : إذا أكلت النشر ، فتخرج من بطونها دواب كأنها حيات . قال الضبي : البحر في الغنم بمنزلة السهام في الإبل ، ولا يكون في الإبل بحر ولا في الغنم سهام .

                                                          قال ابن الأعرابي : رجل بحر : إذا أصابه سلال . قال :

                                                          وغلمتي منهم سحير وبحر قال الزيادي : البحر اصفرار اللون . والسحير الذي يشتكي سحره .

                                                          فإن قال قائل : فأين هذا من الأصل الذي ذكرتموه في الاتساع والانبساط ؟ قيل له : كله محمول على البحر; لأن ماء البحر لا يشرب ، فإن شرب أورث داء . كذلك كل ماء ملح وإن لم يكن ماء بحر .

                                                          ومن هذا الباب الرجل الباحر ، وهو الأحمق ، وذلك أنه يتسع بجهله فيما لا يتسع فيه العاقل . ومن هذا الباب بحرت الناقة بحرا ، وهو شق أذنها ، وهي [ ص: 203 ] البحيرة ، وكانت العرب تفعل ذلك بها إذا نتجت عشرة أبطن ، فلا تركب ولا ينتفع بظهرها ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وقال : ما جعل الله من بحيرة . وأما الدم الباحر والبحراني فقال قوم : هو الشديد الحمرة . والأصح في ذلك قول عبد الله بن مسلم : أن الدم البحراني منسوب إلى البحر . قال : والبحر عمق الرحم ، فقد عاد الأمر إلى الباب الأول . وقال الخليل : رجل بحراني منسوب إلى البحرين ، وقالوا بحراني فرقا بينه وبين المنسوب إلى البحر . ومن هذا الباب قولهم : " لقيته صحرة بحرة " أي : مشافهة . وأما قول ذي الرمة :


                                                              بأرض هجان الترب وسمية
                                                          الثرى عذاة نأت عنها الملوحة والبحر

                                                          فإنه يعني كل ماء ملح . والبحر هو الريف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية