الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1218 1174 - مالك ، عن نافع ; أن عبد الله بن عمر كان يقول : من أذن لعبده أن ينكح ، فالطلاق بيد العبد ، ليس بيد غيره من طلاقه شيء ، فأما أن يأخذ الرجل أمة غلامه ، أو أمة وليدته ، فلا جناح عليه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        26443 - قال أبو عمر : أما قول ابن عمر : فالطلاق بيد العبد ، فعلى هذا جمهور العلماء .

                                                                                                                        26444 - ولم يختلف في ذلك أئمة الأمصار ، كلهم يقول : الطلاق بيد العبد ، لا بيد السيد ، وكلهم لا يجيز النكاح للعبد إلا بإذن سيده .

                                                                                                                        26445 - وشذت طائفة ، فقالت : الطلاق بيد السيد .

                                                                                                                        26446 - وأعلى من روي ذلك عنه عبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله .

                                                                                                                        26447 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء : أن ابن عباس كان [ ص: 293 ] يقول : طلاق العبد بيد سيده إن طلق جاز ، وإن فرق فهي واحدة .

                                                                                                                        26448 - وعن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - أيضا - معناه . 26449 - وعن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، سمع جابر بن عبد الله يقول في الأمة والعبد : سيدهما يجمع بينهما ويفرق .

                                                                                                                        26450 - وابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء أنه قال : لا طلاق لعبد إلا بإذن سيده .

                                                                                                                        26451 - فهؤلاء قالوا : بأن الطلاق بيد السيد .

                                                                                                                        26452 - وأما القائلون بأن الطلاق بيد العبد ، فهو الجمهور على ما ذكرت لك ، منهم : عمر ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمر - رضوان الله عليهم .

                                                                                                                        26453 - ومن التابعين : سعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والحسن ، وابن سيرين ، ومكحول ، وابن شهاب الزهري ، والضحاك بن مزاحم ، وعليه جماعة فقهاء الحجاز ، والعراق ; أئمة الأمصار .

                                                                                                                        [ ص: 294 ] 26454 - وكان عروة بن الزبير يذهب في هذا الباب مذهبا خلاف ابن عباس في بعض هذا المعنى ، وخلاف هذا الجمهور في بعضه أيضا .

                                                                                                                        26455 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني هشام بن عروة ، قال : سألنا عروة عن رجل أنكح عبده امرأة ، هل يصلح له أن ينتزعها منه بغير طيب نفسه ؟ فقال : لا ، ولكن إذا ابتاعه ، وقد أنكحه غيره ، فهو أملك بذلك : إن شاء فرقهما ، وإن شاء تركهما .

                                                                                                                        26456 - وقال أبو عمر : جعل عروة الفراق إلى السيد المبتاع ، ومنع منه البائع .

                                                                                                                        26457 - والمعنى في ذلك أن السيد المبتاع لما لم يكن هو الذي أذن في النكاح للعبد كان عنده كسيده نكح عبده بغير إذنه ، فله الخيار في أن يجيز النكاح أو يفرق بينهما .

                                                                                                                        26458 - وهذا عندي ; لأن المبتاع إنما يملك من العبد ما كان البائع يملك منه ويتصرف فيما كان البائع يتصرف فيه من ذلك العبد ، فلما لم يكن للبائع أن يفرق بينهما بإذنه في النكاح كان كذلك المبتاع إذا دخل على ذلك .

                                                                                                                        26459 - وإنما هو عيب من العيوب إذا رضي به المبتاع عند عقد البيع أو بعده لزمه ، وإن لم يعلم به ثم علم كان له الرد أو الرضا بالعيب .

                                                                                                                        26460 - وأما قول ابن عمر : وأما أن يأخذ الرجل أمة غلامه ، أو أمة وليدته ، [ ص: 295 ] فلا جناح عليه ، فالمعنى في ذلك عند مالك أن السيد له أن يأخذ ما بيد عبده من جميع ماله ما لم يأذن له في تجارة مداينة الناس على ما بيده من ذلك المال .

                                                                                                                        26461 - والعبد عنده يملك كلما ملكه سيده أو غيره ، ولسيده أن ينتزع منه ماله كله أو ما شاء منه ، وملكه عبده ليس كملكك الحر الذي لا يحل لأحد منه شيء إلا عن طيب نفسه ، وإنما مال العبد مال مستقر بيده ، ما لم ينتزعه منه سيده ، وله أن يتسرى فيه عند مالك ، وأصحابه ، ومن قال بقولهم ; لأنه لا خلاف عن ابن عمر أنه كان يأذن لعبيده أن يتسروا فيما بأيديهم من المال .

                                                                                                                        26462 - وهو قول أكثر أهل السلف .

                                                                                                                        26463 - وكان مالك لا يرى الزكاة على العبد مما بيده من المال ، ولا على السيد في ذلك المال - قياسا على أن المكاتب الذي أجمعوا على أنه لا زكاة عليه ، ولا على سيده فيما بيده من المال .

                                                                                                                        26464 - وكان أبو ثور ، وداود يقولان : العبد يملك ملكا صحيحا كملك الحر ، وعليه الزكاة فيما بيده من المال إذا حال عليه ، وهو في يده حول كامل ، وهما مع ذلك يجيزان للسيد انتزاع ذلك المال منه إذا شاء .

                                                                                                                        26465 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم : العبد لا يملك شيئا بحال [ ص: 296 ] من الأحوال ، وكل ما بيده من مال ، فإنما هو لسيده بدليل الإجماع على أن لسيده أن يأخذ منه كل ما له من المال من كسبه وغير كسبه .

                                                                                                                        26466 - وقالوا : لو كان يملك لورث بنيه ، وقرابته ، وورثته بنوه وقرابته ، ولهم في ذلك حجج ، يطول ذكرها ، ولمخالفيهم أيضا حجج يحتجون بها ، ليس كتابنا هذا موضعا لذكرها .




                                                                                                                        الخدمات العلمية