الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا

                                                                                                                                                                                                                                      قال استئناف كما سلف سلام عليك توديع، ومتاركة على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة، أي: لا أصيبك بمكروه بعد، ولا أشافهك بما يؤذيك، ولكن سأستغفر لك ربي ، أي: أستدعيه أن يغفر لك بأن يوفقك للتوبة، ويهديك إلى الإيمان. كما يلوح به تعليل قوله تعالى: واغفر لأبي بقوله تعالى: إنه كان من الضالين . والاستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبين أنه يموت على الكفر مما لا ريب في جوازه، وإنما المحظور استدعاء المغفرة له مع بقائه على الكفر فإنه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا، وأما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا تأباه قضية العقل، وإنما الذي يمنعه السمع ألا يرى إلى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب : لا أزال أستغفر لك ما لم أنه عنه، فنزل قوله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ...الآية . والاشتباه في أن هذا الوعد من إبراهيم عليه السلام، وكذا قوله: لأستغفرن لك وما ترتب عليهما من قوله: واغفر لأبي ... الآية. إنما كان قبل انقطاع رجائه عن إيمانه لعدم تبين أمره، لقوله تعالى: فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما مر في تفسير سورة التوبة. واستثناؤه عما يؤتسى به في قوله تعالى: إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك لا يقدح في جوازه لكن لا لأن ذلك كان قبل ورود النهي، أو لموعدة وعدها إياه كما قيل. لما أن النهي إنما ورد في شأن الاستغفار بعد تبين الأمر، وقد كان استغفاره عليه السلام قبل التبين فلم يتناوله النهي أصلا، وأن الوعد بالمحظور لا يرفع خطره، بل لأن المراد بما يؤتسى به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الإعراض عنه بقوله تعالى: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد . فاستثناؤه عن ذلك إنما يفيد عدم وجوب استدعاء الإيمان للكافر المرجو إيمانه لا سيما وقد انقطع ذلك عند ورود الاستثناء، وذلك مما لا يتردد فيه أحد من العقلاء، وأما عدم جوازه قبل تبين الأمر فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا، وتوجيه الاستثناء إلى العدة بالاستغفار لا إلى نفس الاستغفار بقوله: "واغفر لأبي" ... الآية. لأنها كانت هي الحاملة له - عليه السلام - عليه. وتخصيص تلك العدة بالذكر دون ما وقع ههنا لورودها على نهج التأكيد القسمي، وأما جعل الاستغفار دائرة عليها، وترتيب التبرؤ على تبين الأمر فقد مر تحقيقه في تفسير سورة التوبة. وقوله: إنه كان بي حفيا أي: بليغا في البر. والإلطاف تعليل لمضمون ما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية