الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب البيع الفاسد

                                                                                                        ( وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد كالبيع بالميتة والدم والخمر والخنزير ، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر ) قال العبد الضعيف : هذه فصول جمعها وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى فنقول : البيع بالميتة والدم باطل ، وكذا بالحر لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال فإن هذه الأشياء لا [ ص: 454 ] تعد مالا عند أحد ، والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال فإنه مال عند البعض والباطل لا يفيد ملك التصرف ، ولو هلك المبيع في يد المشتري فيه يكون أمانة عند بعض المشايخ لأن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك وعند البعض يكون مضمونا لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء ، وقيل الأول قول أبي حنيفة رحمه الله ، والثاني قولهما كما في بيع أم الولد والمدبر على ما نبينه إن شاء الله تعالى . والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به ويكون البيع مضمونا في يد المشتري فيه ، وفيه خلاف الشافعي رحمه الله ، وسنبينه بعد إن شاء الله تعالى . وكذا بيع الميتة والدم والحر باطل ، لأنها ليست أموالا فلا تكون محلا للبيع . وأما بيع الخمر والخنزير إن كان قوبل بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل ، وإن كان قوبل بعين فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير . ووجه الفرق أن الخمر مال ، وكذا الخنزير مال عند أهل الذمة إلا أنه غير متقوم لما أن الشرع أمر بإهانته وترك إعزازه وفي تملكه بالعقد مقصودا إعزازا له ، وهذا لأنه متى اشتراهما بالدراهم فالدراهم غير مقصودة لكونها وسيلة لما أنها تجب في الذمة ، وإنما المقصود الخمر فسقط التقوم أصلا بخلاف ما إذا اشترى الثوب بالخمر لأن المشتري للثوب إنما يقصد تملك الثوب بالخمر وفيه إعزاز للثوب دون الخمر فبقي ذكر الخمر معتبرا في تملك الثوب لا في حق نفس الخمر حتى فسدت التسمية ووجبت قيمة الثوب دون الخمر ، وكذا إذا باع الخمر بالثوب لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر لكونه مقايضة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية