الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 151 ] قوله تعالى : ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري

قوله تعالى : ولقد قال لهم هارون من قبل أي من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم يا قوم إنما فتنتم أي ابتليتم وأضللتم به ؛ أي بالعجل . وإن ربكم الرحمن لا العجل . فاتبعوني في عبادته . وأطيعوا أمري لا أمر السامري . أو فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل . فعصوه قالوا لن نبرح عليه عاكفين أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل . حتى يرجع إلينا موسى فينظر هل يعبده كما عبدناه ؛ فتوهموا أن موسى يعبد العجل ، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من الذين لم يعبدوا العجل ، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين معه هذا صوت الفتنة ؛ فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبا و قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أي أخطئوا الطريق وكفروا . ألا تتبعن ( لا ) زائدة أي أن تتبع أمري ووصيتي . وقيل : ما منعك عن اتباعي في الإنكار عليهم . وقيل : معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم على كفرهم . وقيل : ما منعك من اللحوق بي لما فتنوا . أفعصيت أمري يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي ؛ قاله ابن عباس . وقيل : معناه هلا فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعا لهم وزجرا . ومعنى : أفعصيت أمري قيل : إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه : وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ، فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره .

مسألة : وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغييره ومفارقة أهله ، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضيا حكمه كحكمهم . وقد مضى هذا المعنى في آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال .

وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي - رحمه الله - : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية ؟ وأعلم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال ، فيكثرون من ذكر الله تعالى ، وذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه ، ويحضرون شيئا يأكلونه . هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين ، وهذا القول الذي يذكرونه :

[ ص: 152 ]

يا شيخ كف عن الذنوب قبل التفرق والزلل

    واعمل لنفسك صالحا
ما دام ينفعك العمل

    أما الشباب فقد مضى
ومشيب رأسك قد نزل



وفي مثل هذا ونحوه . الجواب : - يرحمك الله - مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله ، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار وعباد العجل ؛ وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ؛ وإنما كان يجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه كأنما على رءوسهم الطير من الوقار ؛ فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم عن الحضور في المساجد وغيرها ؛ ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم ؛ هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية