الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      ويجوز للخليفة أن يقلد وزيري تنفيذ على اجتماع وانفراد ، ولا يجوز أن يقلد وزيري تفويض على الاجتماع لعموم ولايتهما ، كما لا يجوز [ ص: 32 ] تقليد إمامين لأنهما ربما تعارضا في العقد والحل والتقليد والعزل وقد قال الله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .

                                      فإن قلد وزيري تفويض لم يخل حال تقليده لهما من ثلاثة أقسام : أحدها أن يفوض إلى كل واحد منهما عموم النظر ، فلا يصح لما قدمناه من دليل وتعليل وينظر في تقليدهما ، فإن كان في وقت واحد بطل تقليدهما معا ، وإن سبق أحدهما الآخر صح تقليد السابق وبطل تقليد المسبوق .

                                      والفرق بين فساد التقليد والعزل أن فساد التقليد يمنع من نفوذ ما تقدم من نظره ، والعزل لا يمنع من نفوذ ما تقدم من نظره .

                                      والقسم الثاني أن يشرك بينهما في النظر على اجتماعهما فيه ولا يجعل إلى واحد منهما أن ينفرد به فهذا يصح وتكون الوزارة بينهما لا في واحد منهما ، ولهما تنفيذ ما اتفق رأيهما عليه ، وليس لهما تنفيذ ما اختلفا فيه ويكون موقوفا على رأي الخليفة وخارجا عن نظر هذين الوزيرين ، وتكون هذه الوزارة قاصرة عن وزارة التفويض المطلقة من وجهين :

                                      أحدهما اجتماعهما على تنفيذ ما اتفقا عليه .

                                      والثاني زوال نظرهما عما اختلفا فيه ، فإن اتفقا بعد الاختلاف نظر ، فإن كان عن رأي اجتمعا على صوابه بعد اختلافهما فيه دخل في نظرهما وصح تنفيذه منهما ، لأن ما تقدم من الاختلاف لا يمنع من جواز الاتفاق ، وإن كان من متابعة أحدهما لصاحبه مع بقائهما على الرأي المختلف فيه فهو على خروجه من نظرهما لأنه لا يصح من الوزير تنفيذ ما لا يراه صوابا .

                                      والقسم الثالث : أن لا يشرك بينهما في النظر ويفرد كل واحد منهما بما ليس فيه للآخر نظر ، وهذا يكون على أحد وجهين : إما أن يخص كل واحد منهما بعمل يكون فيه عام النظر خاص العمل مثل أن يرد إلى أحدهما وزارة بلاد المشرق وإلى الآخر وزارة بلاد المغرب ، وإما أن يخص كل واحد منهما بنظر يكون فيه عام العمل خاص النظر مثل أن يستوزر أحدهما على الحرب والآخر [ ص: 33 ] على الخراج فيصح التقليد على كلا الوجهين ، غير أنهما لا يكونان وزيري تفويض ويكونان واليين على عملين مختلفين ، لأن وزارة التفويض ما عمت ونفذ أمر الوزيرين بها في كل عمل وكل نظر ; ويكون تقليد كل واحد منهما مقصورا على ما خص به ، وليس له معارضة الآخر في نظره وعمله ويجوز للخليفة أن يقلد وزيرين : وزير تفويض ووزير تنفيذ فيكون وزير التفويض مطلق التصرف ووزير التنفيذ مقصورا على تنفيذ ما وردت به أوامر الخليفة .

                                      ولا يجوز لوزير التنفيذ أن يولي معزولا ولا أن يعزل مولى ، ويجوز لوزير التفويض أن يولي المعزول ويعزل من ولاه ولا يعزل من ولاه الخليفة ، وليس لوزير التنفيذ أن يوقع عن نفسه ولا عن الخليفة إلا بأمره ويجوز لوزير التفويض أن يوقع عن نفسه إلى عماله وعمال الخليفة ويلزمهم قبول توقيعاته ; ولا يجوز أن يوقع عن الخليفة إلا بأمره في عموم أو خصوص ، وإذا عزل الخليفة وزير التنفيذ لم ينعزل به أحد من الولاة .

                                      وإذا عزل وزير التفويض انعزل به عمال التنفيذ ولم ينعزل به عمال التفويض لأن عمال التنفيذ نياب وعمال التفويض ولاة ، ويجوز لوزير التفويض أن يستخلف نائبا عنه ، ولا يجوز لوزير التنفيذ أن يستخلف من ينوب عنه ، لأن الاستخلاف تقليد فصح من وزير التفويض ولم يصح من وزير التنفيذ ، وإذا نهى الخليفة وزير التفويض عن الاستخلاف لم يكن له أن يستخلف ، وإذا أذن لوزير التنفيذ في الاستخلاف جاز له أن يستخلف لأن كل واحد من الوزيرين يتصرف عن أمر الخليفة ونهيه وإن افترق حكمهما مع إطلاق التقليد .

                                      وإذا فوض الخليفة تدبير الأقاليم إلى ولاتها ووكل النظر فيها إلى المستولين عليها كالذي عليه أهل زماننا جاز لمالك كل إقليم أن يستوزر ، وكان حكم وزيره معه كحكم وزير الخليفة مع الخليفة في اعتبار الوزارتين وأحكام النظرين

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية