الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 307 ) مسألة : قال : ( وإن غسل مرة ، وعم بالماء رأسه وجسده ، ولم يتوضأ ، أجزأه ، بعد أن يتمضمض ويستنشق وينوي به الغسل والوضوء ، وكان تاركا للاختيار ) [ ص: 139 ] هذا المذكور صفة الإجزاء ، والأول هو المختار ; ولذلك قال : " وكان تاركا للاختيار " . يعني إذا اقتصر على هذا أجزأه مع تركه للأفضل والأولى .

                                                                                                                                            وقوله : " وينوي به الغسل والوضوء " . يعني أنه يجزئه الغسل عنهما إذا نواهما . نص عليه أحمد ، وعنه رواية أخرى : لا يجزئه الغسل عن الوضوء ، حتى يأتي به قبل الغسل أو بعده . وهو أحد قولي الشافعي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ; ولأن الجنابة والحدث وجدا منه ، فوجبت لهما الطهارتان ، كما لو كانا مفردين . ولنا قول الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } . جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة ، فإذا اغتسل يجب أن لا يمنع منها ; ولأنهما عبادتان من جنس واحد ، فتدخل الصغرى في الكبرى ، كالعمرة في الحج .

                                                                                                                                            قال ابن عبد البر : المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده ، فقد أدى ما عليه ; لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل من الجنابة ، دون الوضوء ، بقوله { : وإن كنتم جنبا فاطهروا } . وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء ، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل ، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم ; ولأنه أعون على الغسل ، وأهذب فيه . وروى بإسناده ، عن عائشة ، قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة . فإن لم ينو الوضوء لم يجزه إلا عن الغسل . فإن نواهما ثم أحدث في أثناء غسله ، أتم غسله ، ويتوضأ } .

                                                                                                                                            وبهذا قال عطاء وعمرو بن دينار والثوري . ويشبه مذهب الشافعي . وقال الحسن : يستأنف الغسل . ولا يصح ; لأن الحدث لا ينافي الغسل ، فلا يؤثر وجوده فيه ، كغير الحدث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية