الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2211 - مسألة : وجدت امرأة ورجل يطؤها ؟ فقالت : هو زوجي وقال هو : هي زوجتي - وذلك لا يعرف ؟ قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : لا حد عليهما كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا موسى بن معاوية نا وكيع نا داود بن يزيد الزعاوي عن أبيه أن رجلا وامرأة وجدا في " حرب مرداس " فرفعا إلى علي بن أبي طالب فقال : ابنة عمي تزوجتها ، فقال لها علي : ما تقولين ؟ فقال لها الناس : قولي نعم ، فقالت : نعم ، فدرأ عنهما .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن الحكم بن عتيبة ، وحماد بن سليمان أنهما قالا في الرجل يوجد مع المرأة فيقول : هي امرأتي : أنه لا حد عليه - قال شعبة : فذكرت ذلك لأيوب السختياني ، فقال : ادرءوا الحدود ما استطعتم ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : وبه يقول أبو حنيفة ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : عليهما الحد : كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع عن سفيان الثوري عن [ ص: 186 ] المغيرة عن إبراهيم النخعي في الرجل يوجد مع المرأة فيقول : هي امرأتي ، فقال إبراهيم : إن كان كما يقول لم يقم على فاجر حد .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي في الرجل يوجد مع المرأة فيقول : هي امرأتي قال : عليه الحد .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن غير واحد عن الأوزاعي قال : سألت ابن شهاب عن الرجل يوجد مع المرأة ؟ فيقول : تزوجتها فقال : يسأل البينة ، فإن جاء ببينته وإلا وقع عليه الحد - وبه يقول ، مالك ، وأصحابه .

                                                                                                                                                                                          وقال عثمان البتي : إن كانا لا يعرفان فلا حد عليهما ، فإن كانا معروفين فإن كان يرى قبل ذلك يدخل إليها ويذكر ذلك ، فلا حد عليه ، وإن لم يكن شيء من ذلك فعليهما الحد .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك : فوجدنا من قال : لا حد عليهما يحتج بأن قال : هو قول روي عن علي بن أبي طالب بحضرة الصحابة ولا مخالف له منهم ، فلا يجوز تعديه .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : ادرءوا الحدود بالشبهات وأوجب هذه شبهة قوية .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : لا خلاف بين أحد من الأمة في أن رجلا لو وجد يطأ أمة معروفة لغيره فقال الذي عرف ملكها له : قد كان اشتراها مني ، وقال هو كذلك ، وأقرت هي بذلك : أنه لا حد عليهما - فهذا مثله ؟ قال أبو محمد رحمه الله : ما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا ، وكل هذا لا حجة لهم فيه : أما قولهم : إنه قول روي عن علي ، فهذا لا حجة لهم فيه ، لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يلزمنا .

                                                                                                                                                                                          وأما قولهم : " ادرءوا الحدود ما أمكنكم " فقد ثبت بطلان هذا القول ، وأنه لا [ ص: 187 ] يحل درء حد بشبهة ولا إقامته بشبهة في دين الله تعالى ، وإنما هو الحق واليقين فقط ، ويكفي من بطلان قول من قال " ادرءوا الحدود بالشبهات " أنه قول لم يأت به قرآن ولا سنة - وإنما جاء القرآن والسنة بتحريم دم المسلم وبشرته حتى يثبت عليه حد من حدود الله تعالى ، فإذا ثبت لم يحل درؤه أصلا ، فيكون عاصيا لله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وأما قوله في تنظيرهم ذلك بالأمة المعروفة لإنسان فيوجد معها رجل فيقول : قد صارت إلي وملكتها ، ويقول سيدها بذلك ، ودعواهم الإجماع في ذلك : قول بالظن لا يصح ، وما عهدنا قول مالك المشهور فيمن قامت عليه بينة بأنه أخرج من حرزه مالا مستترا بذلك ، فادعى أن صاحب ذلك الشيء أمره بذلك ، أو أنه وهبه ، وأقر صاحب المال بذلك : بأنه لا يلتفت إلى ذلك : بل تقطع يده ولا بد ؟ قال أبو محمد رحمه الله : والذي نقول به : أن من وجد مع امرأة يطؤها وقامت البينة بالوطء ، فقال هو : إنها امرأتي ، أو قال : أمتي ، فصدقته في ذلك ، فإن كانا غريبين ، أو يعرفان ، فلا شيء عليهما ، ولا يعرض لهما ولا يكشفان عن شيء ، لأن الإجماع قد صح بنقل الكواف : أن الناس كانوا يهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أفذاذا ومجتمعين ، من أقاصي اليمن ، ومن جميع بلاد العرب - بأهليهم ونسائهم وإمائهم وعبيدهم - فما حيل بين أحد وبين من زعم أنها امرأته أو أمته ، ولا كلف أحد على ذلك بينة .

                                                                                                                                                                                          ثم على هذا إجماع جميع أهل الإسلام ، وجميع أهل الأرض من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا لا يزال الناس يرحلون بأهليهم وإمائهم ورقيقهم ، ولا يكلف أحد منهم بينة على ذلك ، بل تصدق أقوالهم في ذلك - مسلمين كانوا أو كفارا - فإذ قد صح النص بهذا والإجماع فلا يجوز مخالفة ذلك ، فإن كانت معروفة في البلد ، ومعروف أنه لا زوج لها ، فإن أمكن ما يقول ، فلا شيء عليهما ، لأن أصل دمائهما وأبشارهما على التحريم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } فلا يجوز إباحة ما حرم الله تعالى إلا بيقين لا شك فيه - وإن كان كذبهما في ذلك متيقنا فالحد واجب عليهما - وإن قال : هي أمتي ، وصدقه صاحبها الذي عرف ملكها له ، وأقر أنه قد كان وهبها له ، أو كان باعها منه : صدق ولا شيء عليهما في ذلك ، فإن كذبه حد ، إلا أن يأتي ببينة على صحة دعواه ، فلو قال : [ ص: 188 ] هي أمتي ، وقالت هي : بل أنا زوجته ، أو قال : هي زوجتي ، وقالت هي : بل أنا أمته ، أو قالت : بل أم ولده - فقد اتفقا على صحة الفراش فلا حد في ذلك ، وهي على الحرية حتى يقيم هو بينة بملكه لها ، فإن لم يفعل حلف لها فيما يدعيه من الزوجية ، وفرق بينهما ، لأن الملك قد بطل إذا لم تقم بينة ، والناس على الحرية حتى يصح الرق ، والزوجية لم تثبت - لا بإقرارهما ولا ببينة - وإنما يحكم عليهما من الآن ، وأما إذا كانت أمة معروفة لإنسان ، فأنكر سيدها خروجها عن ملكه إلى الذي وجد معها ، فالحد عليها وعلى الذي وجد معها ، إلا أن يأتي ببينة على ذلك ، وله على سيدها اليمين ولا بد .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية