الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مؤيد الدين أبو المعالي الصدر الرئيس أسعد بن أبي غالب المظفر الوزير مؤيد الدين أسعد بن حمزة بن أسعد بن علي بن محمد التميمي بن القلانسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جاوز التسعين ، وكان رئيسا كبيرا واسع النعمة ، لا يباشر شيئا من الوظائف ، وقد ألزموه بعد ابن سويد بمباشرة مصالح السلطان ، فباشرها بلا جامكية ، وكانت وفاته ببستانه ، ودفن بسفح قاسيون يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم . والد الصدر عز الدين حمزة رئيس البلدين دمشق والقاهرة ، وجدهم مؤيد الدين أسعد بن حمزة الكبير ، كان وزيرا للملك الأفضل علي بن الناصر فاتح القدس كان رئيسا فاضلا ، له كتاب " الوصية في الأخلاق المرضية " وغير ذلك ، وكانت له يد جيدة في النظم ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا رب جد لي إذا ما ضمني جدثي برحمة منك تنجيني من النار     أحسن جواري إذا أمسيت جارك في
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لحدي فإنك قد أوصيت بالجار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 512 ] وأما والده حمزة بن أسعد بن علي بن محمد التميمي فهو العميد ، وكان يكتب جيدا ، وصنف تاريخا فيما بعد سنة أربعين وأربعمائة إلى سنة وفاته في خمس وخمسين وخمسمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير فارس الدين أقطاي المستعرب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أتابك العساكر المصرية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أولا مملوكا لابن يمن ، ثم صار مملوكا للصالح أيوب فأمره ، ثم عظم شأنه في دولة المظفر ، وصار أتابك العساكر ، فلما قتل امتدت أطماع أكابر الأمراء إلى المملكة ، فبايع أقطاي الملك الظاهر ، فتبعه الجيش على ذلك ، وكان الظاهر يعرفها له ولا ينساها ، ثم قبل وفاته بقليل انهضم عند الظاهر ، ومات في هذه السنة بالقاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ عبد الله بن غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر بن الحسين المقدسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      له زاوية بنابلس ، وله أشعار رائقة ، وكلام قوي في علم التصوف ، وقد طول اليونيني ترجمته ، وأورد من أشعاره شيئا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة كمال الدين أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن علي التفليسي الشافعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد بتفليس سنة إحدى وستمائة ، وكان فاضلا أصوليا مناظرا ، ولي نيابة الحكم مدة ثم استقل بالقضاء في دولة هلاوون ، وكان عفيفا نزها ، لم يزدد منصبا ولا تدريسا مع كثرة عياله وقلة ماله ، ولما انقضت أيامهم [ ص: 513 ] تغضب عليه بعض الناس ، ثم ألزم بالمسير إلى القاهرة فأقام بها يفيد الناس ، إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن بالقرافة الصغرى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر بن عبد الله التنوخي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتنوخ من قضاعة ، كان صدرا كبيرا ، وكتب الإنشاء للناصر داود بن المعظم ، وتولى نظر المارستان النوري وغيره ، وكان مشكور السيرة ، وقد أثنى عليه غير واحد ، وقد جاوز الثمانين ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خاب رجاء امرئ له أمل     بغير رب السماء قد وصله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيبتغي غيره أخو ثقة     وهو ببطن الأحشاء قد كفله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خرس اللسان وكل عن أوصافكم     ماذا يقول وأنتم ما أنتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمر أعظم من مقالة قائل     قد تاه عقلا أن يعبر عنكم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العجز والتقصير وصفي دائما     والبر والإحسان يعرف منكم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ جمال الدين بن مالك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك [ ص: 514 ] أبو عبد الله الطائي الجياني النحوي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب التصانيف المشهورة المفيدة; منها " الكافية الشافية " و " شرحها " ، و " التسهيل " و " شرحه " ، و " الألفية " التي شرحها ولده بدر الدين شرحا مفيدا . ولد بجيان سنة ستمائة ، وأقام بحلب مدة ، ثم بدمشق ، وكان كثير الاجتماع بابن خلكان ، وأثنى عليه غير واحد ، وروى عنه القاضي بدر الدين بن جماعة ، وأجاز لشيخنا علم الدين البرزالي ، توفي ابن مالك بدمشق ليلة الأربعاء ثاني عشر رمضان ، ودفن بتربة القاضي عز الدين بن الصائغ بقاسيون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      النصير الطوسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن محمد بن الحسن أبو عبد الله الطوسي


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان يقال له : المولى نصير الدين . ويقال : الخواجا نصير الدين . اشتغل في شبيبته ، وحصل علم الأوائل جيدا ، وصنف في ذلك في علم الكلام ، وشرح " الإشارات " لابن سينا ، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيلية ، ثم وزر لهولاكو ، وكان معه في واقعة بغداد ، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو بأن يقتل الخليفة ، فالله أعلم ، وعندي أن هذا لا يصدر من فاضل ولا عاقل . وقد ذكره بعض البغاددة ، فأثنى عليه وقال : كان عاقلا فاضلا ، كريم الأخلاق . ودفن في مشهد موسى بن جعفر ، في سرداب كان قد أعد للخليفة الناصر لدين الله ، وهو الذي كان قد بنى الرصد بمراغة ، ورتب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمحدثين والأطباء وغيرهم من أنواع الفضلاء ، وبنى له فيه قبة عظيمة ، وجعل فيه كتبا كثيرة جدا ، توفي ببغداد في ثاني عشر ذي الحجة [ ص: 515 ] من هذه السنة ، وله خمس وسبعون سنة ، وله شعر جيد قوي ، وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيع ، فنزع فيه عروق كثيرة منه ، حتى فسد اعتقاده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ مسلم البرقي البدوي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب الرباط بالقرافة الصغرى ، كان صالحا متعبدا يقصد للزيارة والتبرك بدعائه ، وله اليوم أصحاب معروفون على طريقه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية