الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن سها الإمام في صلاته فإن كان في قراءة فتح عليه المأموم ; لما روى أنس قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن بعضهم بعضا في الصلاة " وإن كان في ذكر غيره جهر به المأموم ليسمعه [ الإمام ] فيقوله ، وإن سها في فعل سبح له ليعلمه فإن لم يقع للإمام أنه سها لم يعمل بقول المأموم ; لأن من شك في فعل نفسه لم يرجع فيه إلى قول غيره ، كالحاكم إذا نسي حكما حكم به فشهد شاهدان عليه أنه حكم به وهو لا يذكره ، وأما المأموم فينظر فيه فإن كان سهو الإمام في ترك فرض مثل أن يقعد وفرضه أن يقوم ، أو يقوم وفرضه أن يقعد لم يتابعه ; لأنه إنما يلزمه متابعته في أفعال الصلاة ، وما يأتي به ليس من أفعال الصلاة ، وإن كان سهوه في ترك سنة لزمه متابعته ; لأن المتابعة فرض فلا يجوز أن يشتغل بسنة فإن نسي الإمام التسليمة الثانية أو سجود السهو لم يتركه المأموم ; لأنه يأتي به وقد سقط عنه فرض المتابعة ، فإن نسيا جميعا التشهد الأول ، ونهضا للقيام ، وذكر الإمام قبل أن يستتم القيام ، والمأموم قد استتم القيام ففيه وجهان : ( أحدهما ) : لا يرجع ; لأنه حصل في فرض ( والثاني ) يرجع ، وهو الأصح ; لأن متابعة الإمام آكد ، ألا ترى أنه إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام لزمه العود إلى متابعته ، وإن كان حصل في فرض ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أنس رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف ، ورواه الحاكم من طرق بألفاظ ، وقال : هو حديث صحيح بشواهد .

                                      ( قوله ) : فتح عليه هو بتخفيف التاء أي : لقنه وفتح القراءة عليه ( وقوله ) : لزمه العود إلى متابعته .

                                      هذا تفريع منه على طريقته ، وقد ذكرنا في المسألة قريبا ثلاثة أوجه : ( أما أحكام الفصل ) ففيه مسائل : ( إحداها ) : إذا ارتج على الإمام ، ووقفت عليه القراءة استحب للمأموم تلقينه ; لما سنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله - تعالى ، وكذا إذا كان يقرأ في موضع فسها وانتقل إلى غيره يستحب تلقينه ، وكذا إذا سها عن ذكر فأهمله ، أو قال غيره يستحب للمأموم أن يقوله جهرا ليسمعه فيقوله ( الثانية ) إذا سها الإمام في فعل فتركه أو هم بتغييره يستحب [ ص: 135 ] للمأموم أن يسبح ليعلمه الإمام ، وقد سبق بيان دليل التسبيح في هذا في باب ما يفسد الصلاة ، فإن تذكر الإمام عمل بذلك ، وإن لم يقع في قلبه ما نبهه عليه المأموم لم يجز له أن يعمل بقول المأمومين بل يجب عليه العمل بيقين نفسه في الزيادة والنقص ، ولا يقلدهم ، وإن كان عددهم كثيرا ، وكذا لا يقلد غيرهم ممن هو حاضر هناك ، وصرح بلفظه سواء كان المخبرون قليلين أو كثيرين ، هذا هو الصحيح ، وبه قطع المصنف والأكثرون .

                                      وذكر جماعة فيما إذا كان المخبرون كثيرين كثرة ظاهرة بحيث يبعد اجتماعهم على الخطأ وجهين : ( أحدهما ) : لا يرجع إلى قولهم ( والثاني ) : يرجع ، وممن حكاهما المتولي والبغوي وصاحب البيان ، قال في البيان : قال أكثر الأصحاب : لا يرجع إليهم ، وقال أبو علي الطبري : يرجع وصحح المتولي الرجوع لحديث ذي اليدين السابق في باب السهو فإن ظاهره رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول المأمومين الكثيرين ، وأجاب جمهور الأصحاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قولهم ، بل رجع إلى يقين نفسه .

                                      حين ذكروه فتذكر ، ولو جاز الرجوع إلى قول غير الإنسان لصدقه وترك اليقين لرجوع ذي اليدين إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " { لم تقصر الصلاة ولم أنس ، فقال ذو اليدين : بل نسيت } والله أعلم .

                                      ( الثالثة ) : إذا ترك الإمام فعلا فإن كان فرضا بأن قعد في موضع القيام أو عكسه ، ولم يرجع لم يجز للمأموم متابعته في تركه ; لما ذكره المصنف سواء تركه عمدا أو سهوا ; لأنه إن تركه عمدا فقد بطلت صلاته ، وإن تركه سهوا ففعله غير محسوب بل يفارقه ويتم منفردا .

                                      وإن ترك سنة فإن كان في اشتغال المأموم بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الأول ; لم يجز للمأموم الإتيان بها .

                                      فإن فعلها بطلت صلاته وله فراقه ليأتي بها ، وإن ترك الإمام سجود السهو أو التسليمة الثانية أتى به المأموم ; لأنه يفعله بعد انقضاء القدوة فإن لم يكن في اشتغال المأموم بها تخلف فاحش بأن ترك الإمام جلسة الاستراحة أتى بها المأموم ، قال أصحابنا : لأن المخالفة فيها يسيرة ، قالوا : ولهذا لو أراد قدرها في غير موضعها لم تبطل صلاته ، وقالوا : لا بأس بتخلفه للقنوت إذا تركه الإمام ولحقه على قرب بأن لحقه في السجدة الأولى [ ص: 136 ] الرابعة ) : إذا قعد الإمام للتشهد الأول وانتصب المأموم قائما سهوا أو نهضا للقيام ساهيين فانتصب المأموم ، وعاد الإمام إلى الجلوس قبل انتصابه ففي المأموم وجهان : مشهوران أطلقهما المصنف والغزالي وطائفة فقالوا : ( أحدهما ) : يرجع ( والثاني ) : لا يرجع ، وقال الشيخ أبو حامد وآخرون من العراقيين : ( أصحهما ) : يجب الرجوع إلى متابعة الإمام ( والثاني ) : لا يجب ، وقطع البغوي بوجوب الرجوع ، وقال إمام الحرمين : ( أحدهما ) : يجوز الرجوع ( والثاني ) : لا يجوز قال : ولم يوجب أحد الرجوع ، وكأنه لم ير نقل العراقيين في الوجوب ، ويحمل كلام المصنف على أن مراده أن الوجهين : في الوجوب ، وفي كلامه إشارة إليه وكلام الغزالي على أنهما في الجواز ; لأنه نقل من كلام الإمام وحاصل الخلاف ثلاثة أوجه : ( أصحهما ) : يجب الرجوع ( والثاني ) : يحرم ( والثالث ) : يجوز ، ولا يجب .

                                      ودليل الأصح : أن متابعة الإمام آكد ، ثم يحصل معها التشهد ، ولا يفوت القيام الذي هو فيه بخلاف عكسه ، وأما قول الأخير أن من تلبس بفرض لا يرجع إلى سنة ، ولا نسلم رجوعه إلى سنة بل إلى متابعة الإمام الواجبة ، وقد سبقت هذه الأوجه مع فروعها في باب سجود السهو والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في تلقين الإمام : قد ذكرنا أن مذهبنا : استحبابه ، وحكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب وابن عمر وعطاء والحسن وابن سيرين وابن معقل ( بالقاف ) ونافع بن جبير وأبي أسماء الرحبي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق قال : وكرهه ابن مسعود وشريح والشعبي والثوري ومحمد بن الحسن .

                                      قال ابن المنذر : بالتلقين أقول ، وقد يحتج لمن كرهه بحديث أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي { لا تفتح على الإمام في الصلاة } ودليلنا على استحبابه حديث المسور بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو بن يزيد المالكي الصحابي رضي الله عنه قال " { شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلوات فترك شيئا لم يقرأه فقال له رجل : يا رسول الله إنه كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا أذكرتنيها ؟ } رواه أبو داود بإسناد جيد ، ولم يضعفه ، ومذهبه أن ما لم يضعفه فهو حسن عنده .

                                      [ ص: 137 ] وعن ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي أصليت معنا ؟ قال : نعم ، قال ، فما منعك ؟ } رواه أبو داود بإسناد صحيح كامل الصحة ، وهو حديث صحيح ، وأما حديث النهي الذي احتج به الكارهون فضعيف جدا لا يجوز الاحتجاج به ; لأن الحارث الأعور ضعيف باتفاق المحدثين معروف بالكذب ، ولأن أبا داود قال في هذا الحديث : لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها




                                      الخدمات العلمية