الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 255 ] [سورة طه] عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

                                                                                                                                                                                                                                      مقصودها الإعلام بإمهال المدعوين [والحلم عنهم -] والترفق بهم إلى أن يكونوا أكثر الأمم، زيادة في شرف داعيهم صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا المقصد الشريف دل اسمها بطريق الرمز والإشارة، لتبيين أهل الفطنة والبصارة، وذلك بما في أولها من الحروف المقطعة، وذلك أنه لما كان ختام [سورة مريم] حاملا على الخوف من أن تهلك أمته صلى الله عليه وسلم قبل ظهور أمره الذي أمره الله به واشتهار دعوته، لقلة من آمن به منهم، ابتدأه سبحانه بالطاء إشارة بمخرجها الذي هو من رأس اللسان وأصول الثنيتين العلييين إلى قوة أمره وانتشاره، وعلوه وكثرة أتباعه، لأن هذا المخرج أكثر المخارج حروفا، وأشدها حركة وأوسعها انتشارا، وبما فيها من صفات الجهر والإطباق والاستعلاء والقلقلة إلى انقلاب ما هو فيه من الإسرار جهرا، وما هو فيه من الرقة فخامة، لأنها من حروف التفخيم، وأنه يستعلي أمره، وينتشر ذكره، حتى يطبق جميع الوجود ويقلقل سائر الأمم، ولكن يكون ذلك. بما تشير إليه الهاء بمخرجها من أقصى الحلق- على [حد -] بعده [ ص: 256 ] من طرف اللسان مع طول كبير وتماد كثير، وبما فيها من صفات الهمس والرخاوة والانفتاح والاستفال والخفاء مع مخافتة وضعف كبير، وهدوء وخفاء عظيم، ومقاساة شدائد كبار، مع نوع فخامة واشتهار، وهو وإن كان اشتهارا يسيرا يغلب هذا الضعف [كله وإن كان قويا شديدا، وقراءة الإمالة للهاء تشير إلى شدة الضعف -]، وقراءة التفخيم - وهي لأكثر القراء- مشيرة إلى فخامة القدر وقوة الأمر، بما لها من الانفتاح، وإن رئي أنه ليس كذلك "إنه ليخافه ملك بني الأصفر" وإن كان معنى الحرفين: يا رجل، فهو إشارة إلى قوته وعلو قدره، وفخامة ذكره، وانتشار أتباعه وعموم أمره، وإن كانا إشارة إلى وطء الأرض فهو إلاحة إلى قوة التمكن وعظيم القدرة وبعد الصيت حتى تصير كلها ملكا له ولأتباعه، وملكا لأمرائه وأشياعه - والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر ابن الفرات في تأريخه أن هجرة الحبشة كانت في السنة الثامنة من المبعث فالظاهر - على ما يأتي في إسلام عمر رضي الله عنه- أن نزول هذه السورة أو أولها كان قرب هجرة الحبشة، فيكون سبحانه قد رمز له صلى الله عليه وسلم على ما هو [ ص: 257 ] ألذ في محادثة الأحباب، من صريح الخطاب، بعدد مسمى الطاء إلى أن وهن الكفار-[الوهن -] الشديد- يقع في السنة التاسعة من نزولها، وذلك في [غزوة بدر الموعد في سنة أربع من الهجرة، وبعدد اسمها إلى أن الفتح الأول يكون في السنة الحادية عشرة من نزولها، وذلك في -] عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة عند نزول [سورة الفتح]، ورمز له بعدد مسمى الهاء إلى أن مبدأ النصرة بالهجرة في السنة الخامسة من نزولها، وبعدد اسمها إلى أن نصره بالفعل يقع في السنة السابعة من نزولها، وذلك في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة، وبعدد حرفي اسمها لا بعدد اسميهما إلى أنه في السنة الثالثة عشرة من نزولها يكون بفتح الأكبر بالاستعلاء على مكة المشرفة التي كان سببا قريبا للاستعلاء على جميع الأرض، وذلك في أواخرها في رمضان سنة ثمان من الهجرة، وكان تمامه بفتح الطائف بإرسال وفدهم وإسلامهم وهدم طاغيتهم في سنة تسع، وهي السنة الرابعة عشرة، وبعدد اسميهما إلى أن تطبيق أكثر الأرض بالإسلام يكون في السنة الثامنة عشرة من نزولها، وذلك بخلافة عمر رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من الهجرة - والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      "بسم" الواسع الحلم التام القدرة "الله" الملك الأعظم "الرحمن" [ ص: 258 ] الذي استوى في أصل نعمته جميع خلقه "الرحيم" الذي أتم النعمة على أهل توفيقه ولطفه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية