الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصا بأخذ السمع والبصر والقلب . وهذا عام في جميع أنواع العذاب ، والمعنى : أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه ، ولا محصل لخير من الخيرات إلا الله سبحانه ، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : ما المراد بقوله : ( بغتة أو جهرة ) قلنا : العذاب الذي يجيئهم إما أن يجيئهم من غير سبق علامة تدلهم على مجيء ذلك العذاب أو مع سبق هذه العلامة . فالأول هو البغتة ، والثاني هو الجهرة . والأول [ ص: 189 ] سماه الله تعالى بالبغتة ، لأنه فاجأهم بها وسمى الثاني جهرة ، لأن نفس العذاب وقع بهم وقد عرفوه حتى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرزوا منه .

                                                                                                                                                                                                                                            وعن الحسن أنه قال : ( بغتة أو جهرة ) معناه ليلا أو نهارا . وقال القاضي : يجب حمل هذا الكلام على ما تقدم ذكره لأنه لو جاءهم ذلك العذاب ليلا وقد عاينوا مقدمته ، لم يكن بغتة ولو جاءهم نهارا وهم لا يشعرون بمقدمته لم يكن جهرة . فأما إذا حملناه على الوجه الذي تقدم ذكره ، استقام الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : فما المراد بقوله : ( هل يهلك إلا القوم الظالمون ) مع علمكم بأن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التمييز .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : إن الهلاك وإن عم الأبرار والأشرار في الظاهر ، إلا أن الهلاك في الحقيقة مختص بالظالمين الشريرين ، لأن الأخيار يستوجبون بسبب نزول تلك المضار بهم أنواعا عظيمة من الثواب والدرجات الرفيعة عند الله تعالى ، فذاك وإن كان بلاء في الظاهر ، إلا أنه يوجب سعادات عظيمة ؟

                                                                                                                                                                                                                                            أما الظالمون ، فإذا نزل البلاء بهم فقد خسروا الدنيا والآخرة معا ، فلذلك وصفهم الله تعالى بكونهم هالكين وذلك تنبيه على أن المؤمن التقي النقي هو السعيد ، سواء كان في البلاء أو في الآلاء والنعماء وأن الفاسق الكافر هو الشقي ، كيف دارت قضيته واختلفت أحواله ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية