الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله : قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون

قوله تعالى : قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم أي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض . وفي مصاحف أهل الكوفة ( قال ربي ) أي قال محمد ربي يعلم القول ؛ أي هو عالم بما تناجيتم به . وقيل : إن القراءة الأولى أولى لأنهم أسروا هذا القول فأظهر الله - عز وجل - عليه نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأمره أن يقول لهم هذا ؛ قال النحاس : والقراءتان صحيحتان وهما بمنزلة الآيتين ، وفيهما من الفائدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر وأنه قال كما أمر .

بل قالوا أضغاث أحلام قال الزجاج : أي قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام . وقال غيره : أي قالوا هو أخلاط كالأحلام المختلطة ؛ أي أهاويل رآها في المنام ؛ قال معناه مجاهد وقتادة ؛ ومنه قول الشاعر :


كضغث حلم غر منه حالمه



[ ص: 181 ] وقال القتبي : إنها الرؤيا الكاذبة ؛ وفيه قول الشاعر :


أحاديث طسم أو سراب بفدفد     ترقرق للساري وأضغاث حالم



وقال اليزيدي : الأضغاث ما لم يكن له تأويل . وقد مضى هذا في ( يوسف ) . فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا : بل افتراه ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا : بل هو شاعر أي هم متحيرون لا يستقرون على شيء قالوا مرة سحر ، ومرة أضغاث أحلام ، ومرة افتراه ، ومرة شاعر . وقيل : أي قال فريق إنه ساحر ، وفريق إنه أضغاث أحلام ؛ وفريق إنه افتراه ، وفريق إنه شاعر . والافتراء الاختلاق ؛ وقد تقدم . فليأتنا بآية كما أرسل الأولون أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات ومثل ناقة صالح . وكانوا عالمين بأن القرآن ليس بسحر ولا رؤيا ولكن قالوا : ينبغي أن يأتي بآية نقترحها ؛ ولم يكن لهم الاقتراح بعدما رأوا آية واحدة . وأيضا إذا لم يؤمنوا بآية هي من جنس ما هم أعلم الناس به ، ولا مجال للشبهة فيها فكيف يؤمنون بآية غيرها ، ولو أبرأ الأكمه والأبرص لقالوا : هذا من باب الطب ، وليس ذلك من صناعتنا ، وإنما كان سؤالهم تعنتا إذ كان الله أعطاهم من الآيات ما فيه كفاية . وبين الله - عز وجل - أنهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوه لقوله - عز وجل - : ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون .

قوله تعالى : ما آمنت قبلهم من قرية قال ابن عباس : يريد قوم صالح وقوم فرعون . أهلكناها يريد كان في علمنا هلاكها . أفهم يؤمنون يريد يصدقون ؛ أي فما آمنوا بالآيات فاستؤصلوا ، فلو رأى هؤلاء ما اقترحوا لما آمنوا ؛ لما سبق من القضاء بأنهم لا يؤمنون أيضا ؛ وإنما تأخر عقابهم لعلمنا بأن في أصلابهم من يؤمن . ومن زائدة في قوله : من قرية كقوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين .

التالي السابق


الخدمات العلمية