الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1230 [ ص: 51 ] ( 22 ) باب ما جاء في عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه

                                                                                                                        1186 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، وسليمان بن يسار ; أنه سمعهما يذكران ، أن يحيى بن سعيد بن العاص [ ص: 52 ] طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة . فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم . فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم ، وهو يومئذ أمير المدينة . فقالت : اتق الله واردد المرأة إلى بيتها . فقال مروان - في حديث سليمان - : إن عبد الرحمن غلبني ، وقال مروان - في حديث القاسم - : أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس ؟ . فقالت عائشة : لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة ، فقال مروان : إن كان بك الشر فحسبك ما بين [ ص: 53 ] هذين من الشر .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        26796 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في سكنى المبتوتة ، ونفقتها على ثلاثة أقوال : ( أحدها ) : أن لها السكنى ، والنفقة ، وهو قول الكوفيين .

                                                                                                                        ( والآخر ) : أن لها السكنى ، ولا نفقة لها ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأكثر أهل الحجاز .

                                                                                                                        ( والثالث ) : أنها لا سكنى لها ، ولا نفقة ، هو قول أحمد ، وطائفة .

                                                                                                                        26797 - فمن هنا أبى مروان أن يرد المرأة إلى بيتها ، واحتج بحديث فاطمة بنت قيس ، وسيأتي حديث فاطمة بنت قيس بما فيه من المعاني بعد هذا - إن شاء [ ص: 54 ] الله تعالى .

                                                                                                                        26798 - واتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد : أن المبتوتة لا تنتقل عن دارها ، ولا تبيت إلا في بيتها كل ليلة .

                                                                                                                        26799 - وروي عن علي ، وابن عباس ، وجابر : أن المبتوتة لا سكنى لها ، ولا نفقة .

                                                                                                                        26800 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود .

                                                                                                                        26801 - وسنذكر أقوال الصحابة ، والآثار المرفوعة في هذه المسألة في الباب بعد هذا عند ذكر حديث فاطمة بنت قيس - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        26802 - وأما قول مروان لعائشة : إن كان بك الشر ، فحسبك ما بين هذين من الشر ، فمعناه أن عائشة كانت تقول ، وتذهب إلى أن فاطمة بنت قيس لم يبح لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج من بيتها الذي طلقت فيه إلا لما كانت طلقت فيه من البذاء بلسانها على قرابة زوجها الساكنين معها في دار وحدة ; ولأنها كانت معهم في شر لا يطاق .

                                                                                                                        26803 - وكانت عائشة تتأول في قول الله - عز وجل - : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] . أن الفاحشة هنا [ ص: 55 ] أن تبذو على أهل الزوج ، فقال لها مروان : إن كان بك الشر أي كنت تذهبين إلى أن الشر النازل بين فاطمة وأحمائها هو كان السبب إلى أن تخرج بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دارها ، فحسبك ما بين ابنة عبد الرحمن ، وزوجها من الشر إذا طلقها ، وبينها وبين بعض أحمائها أيضا ، فنقول : فيجوز لها ما جاز لفاطمة بنت قيس من الانتقال من أجل الشر الذي نزل بينهما .

                                                                                                                        26804 - ذكر سنيد ، قال : حدثني أبو معاوية ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : أين تعتد المطلقة ؟ قال : في بيتها ، قلت : أليس قد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ؟ فقال سعيد : تلك المرأة فتنت الناس ، استطالت على أحمائها بلسانها ، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وكان مكفوف البصر .

                                                                                                                        26805 - قال وحدثني هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار : أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق امرأته ، وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص ، فانتقلها أبوها في عدتها ، فأرسلت عائشة إلى مروان : اتق الله ، واردد المرأة إلى بيت زوجها ، تعتد فيه .

                                                                                                                        فقال مروان : إن أباها غلبني على ذلك .

                                                                                                                        [ ص: 56 ] قال يحيى : فحدثني القاسم بن محمد : أن مروان بن الحكم حين بعثت إليه عائشة أرسل إليها : أما بلغك حديث فاطمة بنت قيس ؟ فقالت عائشة : دع عنك حديث فاطمة بنت قيس فقال مروان : أبك الشر ، فحسبك ما بين هذين من الشر .

                                                                                                                        26806 - قال مالك : لا تنتقل المطلقة المبتوتة ، ولا الرجعية ، ولا المتوفى عنها زوجها ، ويخرجن بالنهار ، ولا يبتن إلا في بيوتهن .

                                                                                                                        26807 - وهو قول الليث .

                                                                                                                        26808 - وقال أبو حنيفة : لا تنتقل المبتوتة ، ولا المتوفى عنها عن بيتها الذي كانت تسكنه ، وتخرج المتوفى عنها بالنهار ولا تبيت ، ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا .

                                                                                                                        26809 - وقال الشافعي : للمطلقة السكنى في منزل زوجها حيث كانت معه حتى تنقضي عدتها ، وسواء أكان يملك الرجعة أو لا يملكها ، وإن كان المسكن بكراء ، فهو على زوجها المطلق لها .

                                                                                                                        26810 - حدثني خلف بن قاسم ، وعبد الله بن محمد بن أسد ، قالا : [ ص: 57 ] حدثنا عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الورد ، قالا : حدثنا هارون بن كامل ، قال : حدثني أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب كان يقول لا يحل لامرأة مطلقة أن تبيت عن بيتها ليلة واحدة ما كانت في عدتها .

                                                                                                                        26811 - وحدثني أحمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن عبد الله بن يونس ، عن بقي ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني أبو عامر العقدي ، عن عبد الحكم بن أبي فروة ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز : ما بال رجال يقول أحدهم لامرأته : اذهبي إلى أهلك ، ويطلقها في أهلها فنهى عن ذلك أشد النهي .

                                                                                                                        26812 - ونهى عبد الحكم - يعني بذلك : العدة في بيت زوجها .




                                                                                                                        الخدمات العلمية