الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 418 ] بيان أقسام طرق تحمل الحديث . ومجامعها ثمانية أقسام :

        الأول : سماع لفظ الشيخ ، وهو إملاء وغيره من حفظ ومن كتاب . وهو أرفع الأقسام عند الجماهير . قال القاضي عياض : لا خلاف أنه يجوز في هذا للسامع أن يقول في روايته : حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا وقال لنا وذكر لنا . قال الخطيب : أرفعها سمعت ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا ، وهو كثير في الاستعمال ، وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ . قال : ثم أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال . قال الشيخ : حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى ، إذ ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه إياه بخلافهما .

        وأما قال لنا فلان أو ذكر لنا ، فكحدثنا . غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا . وأوضح العبارات : قال أو ذكر من غير لي ، أو لنا ، وهو أيضا محمول على السماع إذا عرف اللقاء على ما تقدم في نوع المعضل ، لا سيما إن عرف أنه لا يقول قال إلا فيما سمعه منه ، وخص الخطيب حمله على السماع به والمعروف أنه ليس بشرط .

        [ ص: 418 ]

        التالي السابق


        [ ص: 418 ] ( بيان أقسام طرق تحمل الحديث ) هي ترجمة ( ومجامعها ثمانية أقسام : الأول : سماع لفظ الشيخ وهو إملاء وغيره ) أي تحديث من غير إملاء . وكل منهما يكون ( من حفظ ) للشيخ ( ومن كتاب ) له ، ( وهو أرفع الأقسام ) أي أعلى طرق التحمل ( عند الجماهير ) وسيأتي مقابله في القسم الآتي .

        والإملاء أعلى من غيره ، وإن استويا في أصل الرتبة ( قال القاضي عياض ) أسنده إليه ليبرأ من عهدته ( لا خلاف أنه يجوز في هذا للسامع ) من الشيخ ( أن يقول في روايته ) عنه ( حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا ) يقول ( وقال لنا ) فلان ( وذكر لنا ) فلان .

        قال ابن الصلاح وفي هذا نظر ، وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ [ ص: 419 ] مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ أن لا يطلق فيما سمع من لفظه ، لما فيه من الإيهام والإلباس .

        وقال العراقي : ما ذكره عياض وحكى عليه الإجماع متجه ، ولا شك أنه لا يجب على السامع أن يبين هل كان السماع إملاء أو عرضا .

        قال : نعم إطلاق أنبأنا بعد أن اشتهر استعمالها في الإجازة يؤدي إلى أن نظن بما أداه بها أنه إجازة ، فيسقطه من لا يحتج بها ، فينبغي أن لا يستعمل في السماع لما حدث من الاصطلاح .

        ( قال الخطيب : أرفعها ) أي العبارات في ذلك ( سمعت ) ثم ( حدثنا وحدثني ) فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في الإجازة والمكاتبة ، ولا في تدليس ما لم يسمعه‌‌‌ ، بخلاف حدثنا فإن بعض أهل العلم كان يستعملها في الإجازة .

        وروي عن الحسن أنه قال : حدثنا أبو هريرة ، وتأول حدث أهل المدينة ، والحسن بها ، إلا أنه لم يسمع منه شيئا . قال ابن الصلاح : ومنهم من أثبت له سماعا منه .

        قال ابن دقيق العيد : وهذا إذا لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع منه ، لم يجز أن يصار إليه .

        [ ص: 420 ] قال العراقي : قال أبو زرعة وأبو حاتم : من قال عن الحسن البصري حدثنا أبو هريرة فقد أخطأ ، قال : والذي عليه العمل أنه لم يسمع منه ، قاله غيرهما أيوب وبهز بن أسد ويونس بن عبيد والنسائي والخطيب وغيرهم .

        وقال ابن القطان : ليست حدثنا بنص في أن قائلها سمع . ففي " صحيح مسلم " في حديث الذي يقتله الدجال فيقول : أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ومعلوم أن ذلك الرجل متأخر الميقات ، أي فيكون المراد حديث أمته ، وهو منهم ، لكن قال معمر : إنه الخضر ، فحينئذ لا مانع من سماعه .

        قال الخطيب : ( ثم ) يتلو حدثنا ( أخبرنا وهو كثير في الاستعمال ) حتى إن جماعة لا يكادون يستعملون فيما سمعوه من لفظ الشيخ غيرها ، منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق ويزيد بن هارون وعمرو بن عوف ويحيى بن يحيى [ ص: 421 ] التميمي وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم .

        وقال أحمد : أخبرنا أسهل من حدثنا ، حدثنا شديد ، قال ابن الصلاح : ( وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ .

        قال ) الخطيب : ( ثم ) بعد أخبرنا ( أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال . قال الشيخ ) ابن الصلاح : ( حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى إذ ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه ) - بالتشديد - ( إياه ) وخاطبه به ( بخلافهما ) فإن فيهما دلالة على ذلك .

        وقد سأل الخطيب شيخه الحافظ أبا بكر البرقاني عن السر في [ ص: 422 ] كونه يقول لهم فيما رواه عن أبي القاسم الآبندوني سمعت ، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا ، فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية ، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ، ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل ، فلذلك يقول : سمعت ، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا ، لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده .

        قال الزركشي : والصحيح التفصيل ، وهو أن حدثنا أرفع إن حدثه على العموم ، وسمعت إن حدثه على الخصوص ، وكذا قال القسطلاني في المنهج .

        ( وأما قال لنا فلان ) أو قال لي ( أو ذكر لنا ) أو ذكر لي ( فكحدثنا ) في أنه متصل ( غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا .

        وأوضح العبارات : ( قال ، أو ذكر من غير لي ، أو لنا ، وهو ) مع ذلك ( أيضا محمول على السماع إذا عرف اللقاء ) وسلم من التدليس ( على ما تقدم في نوع [ ص: 423 ] المعضل ) في الكلام على العنعنة ( لا سيما إن عرف ) من حاله ( أنه لا يقول : قال إلا فيما سمعه منه ) كحجاج بن محمد الأعور روى كتب ابن جريج عنه بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها ( وخص الخطيب حمله على السماع به ) أي من عرف منه ذلك بخلاف من لا يعرف منه ذلك فلا يحمله على السماع ( والمعروف أنه ليس بشرط ) .

        وأفرط ابن منده فقال : حيث قال البخاري " قال لنا " فهو إجازة ، وحيث قال " قال فلان " فهو تدليس ، ورد العلماء عليه ذلك ولم يقبلوه .




        الخدمات العلمية