الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله - تعالى - : وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، أي تلتذ به الأعين ، أي برؤيته لحسنه ، كما قال - تعالى - : صفراء فاقع لونها تسر الناظرين [ 2 \ 69 ] . وأسند اللذة إلى العين ، وهي في الحقيقة مسندة لصاحب العين ، كإسناد الكذب والخطيئة إلى الناصية ، وهي مقدم شعر الرأس ، في قوله - تعالى - : ناصية كاذبة خاطئة [ 96 \ 16 ] وكإسناد الخشوع والعمل والنصب إلى الوجوه ، في قوله - تعالى - : وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة الآية [ 88 \ 2 - 3 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] ومعلوم أن الكذب والخطيئة مسندان في الحقيقة لصاحب الناصية ، كما أن الخشوع والعمل والنصب مسندات إلى أصحاب الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الجنة فيها كل مشتهى ، وكل مستلذ - جاء مبسوطا موضحة أنواعه في آيات كثيرة من كتاب الله ، وجاء محمد أيضا إجمالا شاملا لكل شيء من النعيم .

                                                                                                                                                                                                                                      أما إجمال ذلك ففي قوله - تعالى - : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ 32 \ 17 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما بسط ذلك وتفصيله فقد بين القرآن أن من ذلك النعيم المذكور في الآية - المشارب ، والمآكل والمناكح ، والفرش والسرر ، والأواني ، وأنواع الحلي والملابس ، والخدم إلى غير ذلك ، وسنذكر بعض الآيات الدالة على كل شيء من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      أما المآكل فقد قال - تعالى - : لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون [ 43 \ 73 ] . وقال : ولحم طير مما يشتهون [ 56 \ 32 - 33 ] . وقال - تعالى - : وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة [ 56 \ 32 - 33 ] . وقال - تعالى - : كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها الآية [ 2 \ 25 ] . إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أما المشارب ، فقد قال - تعالى - : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا [ 76 \ 5 - 6 ] . وقال - تعالى - : ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا الآية [ 76 \ 17 - 18 ] . وقوله - تعالى - : يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون [ 56 \ 17 - 19 ] . وقال - تعالى - : يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون [ 37 \ 45 - 47 ] . وقال - تعالى - : فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات [ 47 \ 15 ] . وقال - تعالى - : كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية [ 69 \ 24 ] . إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 145 ] وأما الملابس والأواني والحلي ، فقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة " النحل " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما المناكح فقد قدمنا بعض الآيات الدالة عليها قريبا ، وهي كثيرة كقوله - تعالى - : ولهم فيها أزواج مطهرة الآية [ 2 \ 25 ] . ويكفي ما قدمنا من ذلك قريبا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ما يتكئون عليه من الفرش والسرر ونحو ذلك ، ففي آيات كثيرة ، كقوله - تعالى - : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق [ 55 \ 45 ] . وقوله - تعالى - : هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون [ 36 \ 56 ] . وقوله - تعالى - : على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين [ 56 \ 15 - 16 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والسرر الموضونة هي المنسوجة بقضبان الذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله - تعالى - : إخوانا على سرر متقابلين [ 15 \ 47 ] . وقوله - تعالى - : فيها سرر مرفوعة [ 88 \ 13 ] . وقوله - تعالى - : متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [ 55 \ 76 ] . إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما خدمهم فقد قال - تعالى - في ذلك : يطوف عليهم ولدان مخلدون الآية [ 56 \ 17 ] . وقال - تعالى - في سورة " الإنسان " في صفة هؤلاء الغلمان : إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [ 76 \ 19 ] وذكر نعيم أهل الجنة بأبلغ صيغة في قوله - تعالى - : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ 76 \ 20 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والآيات الدالة على أنواع نعيم الجنة وحسنها وكمالها كالظلال والعيون والأنهار وغير ذلك - كثيرة جدا ، ولنكتف منها بما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : وأنتم فيها خالدون [ 43 \ 71 ] - قد قدمنا الآيات الموضحة ; لأن خلودهم المذكور لا انقطاع له البتة ، كقوله - تعالى - : عطاء غير مجذوذ [ 11 \ 108 ] أي غير مقطوع ، وقوله - تعالى - : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 38 \ 54 ] . وقوله - تعالى - : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ 16 \ 96 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية