الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع والشفع فيه 3155 - ( عن عبد الله بن عمر { : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب } . رواه النسائي وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3156 - ( وعن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3157 - ( وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن : أن الزبير بن العوام لقي رجلا قد [ ص: 162 ] أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله ، فقال : لا ، حتى أبلغ به السلطان ، فقال الزبير : إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع . رواه مالك في الموطإ ) .

                                                                                                                                            3158 - ( وعن عائشة { : أن قريشا أهمتهم المخزومية التي سرقت ، قالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب ، فقال : يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الحاكم وصححه ، وسكت عنه أبو داود وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال في الفتح : وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح والواقع فيما وقفنا عليه من نسخ هذا الكتاب إلى عبد الله بن عمر بدون واو ولعله غلط من الناسخ .

                                                                                                                                            وحديث عائشة الأول أخرجه أيضا النسائي وابن عدي والعقيلي وقال : له طرق وليس فيها شيء يثبت وذكره ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب من رواية عبد الله بن هارون بن موسى الفروي عن القعنبي عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس . وقال : الإسناد باطل والحمل فيه على الفروي . ورواه الشافعي وابن حبان في صحيحه وابن عدي أيضا والبيهقي من حديث عائشة بلفظ : { أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم } ولم يذكر ما بعده . قال الشافعي : وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول : يتجاوز للرجل من ذوي الهيئات عثرته ما لم يكن حدا . وقال عبد الحق : ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة . قال الحافظ : وواصل هو أبو حرة ضعيف ، وفي إسناده ابن حيان أبو بكر بن نافع . وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث وفي الباب عن ابن عمر رواه أبو الشيخ في كتاب الحدود بإسناد ضعيف ، وعن ابن مسعود رفعه : { تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله يأخذ بيده عند عثراته } ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف .

                                                                                                                                            وأثر الزبير المذكور أخرجه أيضا الطبراني . قال في الفتح : وإسناده منقطع مع وقفه ، وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير .

                                                                                                                                            وفي حديث عبد الله بن عمرو دليل على مشروعية المعافاة في الحدود قبل الرفع إلى الإمام لا [ ص: 163 ] بعده . وقد تقدم الكلام على ذلك . وحديث عائشة فيه دليل على أنه يشرع إقالة أرباب الهيئات إن وقعت منهم الزلة نادرا والهيئة صورة الشيء وشكله وحالته ، ومراده أهل الهيئات الحسنة .

                                                                                                                                            والعثرات جمع عثرة ، والمراد بها الزلة كما وقع في الرواية المذكورة . قال الشافعي : وذوي الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة . وقال الماوردي : في تفسير العثرات المذكورة وجهان : أحدهما : الصغائر . والثاني : أول معصية زل فيها مطيع والمراد بقوله : " إلا الحدود " أي فإنها لا تقال بل تقام على ذي الهيئة وغيره بعد الرفع إلى الإمام وأما قبله فيستحب الستر مطلقا لما في حديث أبي هريرة عند الترمذي من حديث : { ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة } وأخرجه أيضا الحاكم ، ورواه الترمذي من حديث ابن عمر ، ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعا : { من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة } .

                                                                                                                                            وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا : { من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته } . قوله : ( فلعن الله الشافع ) فيه التشديد في الشفاعة في الحدود بعد الرفع . وقد تقدم الكلام على حديث المخزومية الذي ذكره المصنف .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية