الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 340 ] باب الشروط في البيع تنبيه :

قوله ( وهي ضربان : صحيح . وهو ثلاثة أنواع أحدها : شرط مقتضى البيع ، كالتقابض وحلول الثمن ونحوه ) بلا نزاع .

ويأتي " لو جمع بين شرطين من هذا " . قوله ( الثاني : شرط من مصلحة العقد ، كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله ، أو الرهن ، أو الضمين به ، أو صفة في المبيع ، نحو كون العبد كاتبا ، أو خصيا ، أو صانعا ، أو مسلما ، أو الأمة بكرا ، أو الدابة هملاجة والفهد صيودا . فيصح )

الشرط بلا نزاع ( فإن وفى به ) هو في جميع ما تقدم ( وإلا فلصاحبه الفسخ ) يعني إذا لم يتعذر الرد . فأما إن تعذر الرد : تعين له الأرش . وإن لم يتعذر الرد ، فظاهر كلامه : أنه ليس له إلا الفسخ لا غير . وهو أحد الوجهين . وهو ظاهر كلامه في الشرح ، وشرح ابن منجا ، والوجيز . قال الزركشي . في الرهن : وهو ظاهر كلام الخرقي ، والقاضي ، وأبي الخطاب ، وصاحب التلخيص ، والسامري ، وأبي محمد . والصحيح من المذهب : أن له الفسخ ، أو أرش فقد الصفة . جزم به في المنور ، وغيره . واختاره ابن عبدوس وغيره . قال الزركشي : ويحكى عن ابن عقيل في العمدة . وقدمه في المحرر ، والفروع ، والنظم ، والرعايتين ، والفائق . وأطلقهما الزركشي .

تنبيه :

قوله ( أو الرهن أو الضمين به ) . من شرط صحته : أن يكونا معينين . فإن لم يعينهما لم يصح . وليس له طلبهما بعد العقد لمصلحته . ويلزم بتسليم رهن المعين ، إن قيل : يلزم بالعقد . [ ص: 341 ] وفي المنتخب : هل يبطل بيع ببطلان رهن فيه لجهالة الثمن أم لا كمهر في نكاح ؟ فيه احتمالان .

فائدة :

ومن الشروط الصحيحة : أيضا لو شرطها تحيض ، أو اشترط الدابة لبونا ، أو الأرض خراجها كذا . ذكره القاضي . واقتصر عليه في الفروع فيهما . وجزم به في الكافي ، والمغني ، والشرح . وقال ابن شهاب إن لم تحض طبعا ، ففقده يمنع النسل ، وإن كان لكبر فعيب لأنه ينقص الثمن . وجزم في التلخيص : أنه لا يصح شرط كونها لبونا . قال في الرعاية الصغرى . وهو أشهر قوله ( وإن شرطها ثيبا كافرة . فبانت بكرا مسلمة . فلا فسخ ) وهذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به في الوجيز ، والنظم ، وغيرهم وصححه في الفائق وغيره . وقدمه في الفروع وغيره . ويحتمل أن له الفسخ ، لأن له فيه قصدا . قلت : وهو قوي . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . ونصره المصنف في المغني . وقدمه في الحاوي الكبير . وأطلقهما في الكافي فيما إذا شرطها كافرة . فبانت مسلمة .

تنبيه :

مما يحتمله كلام المصنف : لو شرطها ثيبا ، فبانت بكرا . أو شرطها كافرة فبانت مسلمة . وأكثر الأصحاب إنما مثلوا بذلك . فلذلك حمل ابن منجا في شرحه كلام المصنف عليه . قلت : يمكن حمله على ظاهره . ويكون ذلك من باب التنبيه على ما مثله الأصحاب . ولذلك أجراه الشارح على ظاهره .

فائدة :

لو شرطه كافرا ، فبان مسلما . فظاهر ما قدمه في الفروع : أن له الفسخ . قال شيخنا في حواشيه : وهو مشكل من جهة المعنى . لأن العلة المذكورة في الكافرة موجودة في الكافر . [ ص: 342 ] وقال أبو بكر : حكمه حكم ما إذا شرطها كافرة فبانت مسلمة . قال في الرعاية : هذا أقيس . قال في التلخيص : هذا أظهر الوجهين . قلت : وهو الصحيح . وذكر ابن الجوزي فيما إذا شرطه كافرا فبان مسلما : روايتين . قوله ( وإن شرط الطائر مصوتا ، أو أنه يجيء من مسافة معلومة : صح ) . إن شرط الطائر مصوتا ، فقدم المصنف الصحة . وهو المذهب على ما اصطلحناه . جزم به في العمدة ، والوجيز ، ومنتخب الأزجي . واختاره المصنف ، وابن عبدوس في تذكرته . قال الشارح : الأولى جوازه . قال في الفائق : صح في أصح الوجهين . وجزم به في العمدة . وقدمه في الكافي قال القاضي : لا يصح . قال في الرعاية الكبرى : وهو الأشهر . قال الناظم : وهو الأقوى . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والتلخيص ، والمحرر ، والمنور ، وإدراك الغاية . وقدمه في الحاويين . قلت : وهذا المذهب . وقد وافق على ذلك في الهادي . وأطلقهما في الرعاية الصغرى ، والفروع ، وشرح ابن منجا . وإن شرط أن يجيء من مسافة معلومة ، فقدم المصنف هنا : الصحة . وهو المذهب . جزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأزجي . قال الشارح : وهو أولى . قال في الفائق : صح في أصح الوجهين . [ ص: 343 ] واختاره أبو الخطاب في الهداية ، والمصنف ، وابن عبدوس في تذكرته . وقدمه في إدراك الغاية ، والكافي . وقال القاضي : لا يصح . وصححه في المذهب ، ومسبوك الذهب . قال في الرعاية الكبرى : أشهرهما بطلانه . وأطلقهما في المستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والتلخيص ، والمحرر ، والرعاية الصغرى ، والحاويين ، والفروع ، وشرح ابن منجا . فتلخص في المسألتين طرق : يصح الشرط فيهما . لا يصح فيهما . لا يصح في الأولى ، وفي الثانية الخلاف . لا يصح في الأولى ، ويصح في الثانية . وهو المذهب الصحيح . فائدتان

إحداهما : لو شرط الطائر يبيض ، أو يوقظه للصلاة ، أو الأمة حاملا : فحكمهن كالمسألتين المتقدمتين عند صاحب الفروع . وأما إذا شرط في الطائر أنه يبيض ، فقال المصنف في المغني : الأولى الصحة . قلت : وهو الأولى . وقيل : لا يصح . وإن شرط أنه يوقظه للصلاة ، فالصحيح من المذهب : أنه لا يصح . قال في الفائق : بطل في أصح الوجهين . قال في الرعاية الكبرى : الأشهر البطلان . وقدمه في الحاويين . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والتلخيص ، والشرح ، وغيرهم . وقيل : يصح . ونسبه في الحاويين إلى اختيار المصنف . وقد قدم في الكافي : أنه إذا شرط أنه يصيح في وقت من الليل : أنه يصح . وأما إذا شرط أنه يصيح في أوقات معلومة : فإنه يجري مجرى التصويت في القمري ونحوه . قاله المصنف ، والشارح . [ ص: 344 ] وإن شرط الأمة حاملا : فالصحيح من المذهب : الصحة . وقدمه في المغني ، والشرح ، والرعاية الكبرى . قلت : وهو أولى . وقال القاضي : قياس المذهب لا يصح . وجزم به ابن عبدوس في تذكرته ، وصاحب المنور فيه . وصححه الأزجي في نهايته . وقدمه في التلخيص . وأطلقهما في المحرر ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وأما إذا شرط الدابة حاملا ، فقال في الرعاية الكبرى : أشهر الوجهين البطلان . وقيل : يصح الشرط .

الثانية : لو شرط أنها لا تحمل : ففاسد وإن شرطها حائلا فبانت حاملا فله الفسخ في الأمة بلا نزاع ، ولا فسخ له في غيرها من البهائم . على الصحيح من المذهب . وقيل : بلى كالأمة . وقال في الرعاية الصغرى ، والحاوي : ليس بعيب في البهائم إن لم يضر اللحم . ويأتي ذلك في العيوب في الباب الذي بعد هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية