الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين

                                                                      1382 حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه قال من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في كل وتر قال أبو سعيد فمطرت السماء من تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فقال أبو سعيد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين [ ص: 189 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 189 ] 317 - باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين ( من رمضان ) : فيه مداومة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك ، فالاعتكاف فيه سنة لمواظبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ . قاله ابن عبد البر ، ولعل مراده رمضان لا يقيد وسطه إذ هو لم يداوم عليه ( فاعتكف عاما ) : أي اعتكف في رمضان في عام ( يخرج فيها ) : ولفظ الموطأ الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه ( من كان اعتكف معي ) : العشر الوسط ( فليعتكف العشر الأواخر ) : وفي رواية للشيخين " فخطبنا صبيحة عشرين ، وفي أخرى لهما فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال : كنت أجاور هذا العشر ثم بدا لي أن أجاور هذا العشر الأواخر ، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه " .

                                                                      وفي مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد " أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتكف في العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير ، فأخذه فنحاه في ناحية القبة ، ثم كلم الناس فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أوتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر ، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه " وعند البخاري أن جبريل أتاه في المرتين فقال له إن الذي تطلب أمامك بفتح الهمزة والميم أي قدامك ( وقد رأيت ) : وفي رواية أريت بهمزة أوله مضمومة مبني للمفعول أي أعلمت ( هذه الليلة ) : نصب مفعول به لا ظرف أي أريت ليلة القدر .

                                                                      وجوز الباجي أن الرؤية بمعنى البصر أي رأى علامتها التي أعلمت له بها وهي السجود في الماء والطين ( ثم أنسيتها ) : بضم الهمزة .

                                                                      قال القفال ليس معناه أنه رأى الملائكة والأنوار عيانا ثم نسي في أي ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى ، وإنما معناه أنه قيل له ليلة القدر ليلة كذا وكذا ، فنسي كيف قيل له ( وقد رأيتني ) : بضم التاء وفيه عمل الفعل في ضميري الفاعل والمفعول وهو المتكلم ، وذلك من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي [ ص: 190 ] ( أسجد من صبيحتها ) : بمعنى في كقوله تعالى : من يوم الجمعة أو لابتداء الغاية الزمانية ( في ماء وطين ) : علامة جعلت له يستدل بها عليها ثم المراد أنه نسي علم تعيينها تلك السنة لا رفع وجودها لأمره بطلبها بقوله ( فالتمسوها في العشر الأواخر ) : من رمضان ( والتمسوها في كل وتر ) : منه أي أوتار لياليه وأولها ليلة الحادي والعشرين إلى آخر ليلة التاسع والعشرين ، وهذا لا يقال قوله التمسوها في السبع الأواخر ، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يحدث بما هنا جازما به . قال الباجي : يحتمل في ذلك العام ، ويحتمل أنه الأغلب في كل عام . قاله الزرقاني .

                                                                      ( قال أبو سعيد فمطرت ) : بفتحين ( السماء من تلك الليلة ) : أي التي أريها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي رواية للشيخين فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد ( وكان المسجد على عريش ) : أي على مثل العريش ، وإلا فالعريش هو السقف أي أنه كان مظللا بالخوص والجريد ، ولم يكن محكم البناء بحيث يكن من المطر .

                                                                      وفي رواية وكان السقف من جريد النخل ( فوكف المسجد ) : أي سال ماء المطر من سقفه فهو من ذكر المحل وإرادة الحال ( فأبصرت عيناي ) : توكيد ( من صبيحة إحدى وعشرين ) : قال في المرقاة : يعني الليلة التي رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها ليلة القدر هي ليلة الحادي والعشرين . كذا قيل : والأظهر أن من بمعنى في وهي متعلقة بقوله فأبصرت . انتهى .

                                                                      ولفظ الموطأ قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين قال الزرقاني : قوله من صبح ليلة إحدى وعشرين متعلق بقوله انصرف ، وفي رواية فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه وأنفه فيهما الماء والطين تصديق رؤياه ، وفيه السجود على الطين وحمله الجمهور على الخفيف . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية