الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل السادس : في تسوية الصفوف

                                                                                                                قال اللخمي : يبتدأ بالصفوف من خلف الإمام ، ثم من على يمينه وشماله حتى يتم الصف ، ولا يبتدأ بالثاني حتى يكمل الأول ، ولا بالثالث قبل الثاني ، والصف الأول ما يلي الإمام فإن كان ثم مقصورة محجرة ، فالصف الأول الخارج عنها للوضوء بها .

                                                                                                                [ ص: 261 ] فروع خمسة :

                                                                                                                الأول : قال في الكتاب : من صلى خلف الصفوف فصلاته تامة فإن جبذ إليه أحدا فهو خطأ منهما . والإجزاء قول ح و ش ، خلافا لابن حنبل ، وبالغ فقال : من افتتح صلاته منفردا خلف الإمام فلم يأت أحد حتى رفع رأسه من الركوع فصلاته وصلاة من تلاحق به بعد ذلك باطلة ; لما في أبي داود أنه - عليه السلام - رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره بالإعادة . لنا ما في البخاري عن أبي بكرة أنه دخل المسجد وهو - عليه السلام - راكع فركع دون الصف ، فقال عليه السلام : زادك الله حرصا ولا تعد . وأما خطأ الموافق له فلأن الصف الأول أفضل ، وقال ش : فيستحب له ذلك ، وفي أبي داود وسطوا الإمام ، وسدوا الخلل .

                                                                                                                الثاني : قال صاحب الطراز : من تأخر عن الصف لعذر ، وصلى منفردا فلا شيء عليه ، وأعاد عند مالك خلافا لابن حبيب .

                                                                                                                الثالث : قال في الكتاب : من دخل وقد قامت الصفوف قام حيث شاء ، وكان يتعجب ممن يقول يقوم حذو الإمام . حجة المخالف : أن ابتداء الصفوف من خلف الإمام وهذا مبتدئ صف وعند مالك ذلك خاص بالصف الأول ، فإنه [ ص: 262 ] الموازي ، وقال صاحب الطراز : قال مالك : إن رأى خللا في الصف سده إن لم يضيق على غيره ، فرب خلل بين قائمين يسترانه إذا جلسا ، ويخرق ثلاثة صفوف للفرجة فإن كانت الفرج كثيرة مشى إلى آخرها عند مالك ، وإلى أقربها إلى الإمام عند ابن حبيب ، فإن كانت الفرجة عن يمينه أو يساره ، قال ابن حبيب : يتركها ، قال : والذي قاله صحيح فيمن هو في الصلاة ، أما من ليس في الصلاة فإنه يخرق الصفوف إلى الفرجة في الصف الأول كما فعله - عليه السلام - لما جاء من عند بني عمرو بن عوف فوجد أبا بكر يصلي بالناس .

                                                                                                                الرابع : قال في الكتاب : إذا كانت طائفة عن يمين الإمام فلا بأس أن تقف طائفة عن يساره ، ولا تلتصق بالطائفة التي عن يمينه ، وكره تفريق الصفوف وكذلك في البخاري قال أنس : كان أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدمه بقدمه . وفي الموطأ أن عثمان - رضي الله عنه - كان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر ، وكذلك عمر . قال صاحب الطراز : فإن رأى رجلا خارجا من الصف يشير إليه ، ويجوز تقطيع الصف الموغر في الموضع ، وأرخص مالك للعالم يصلي في آخر المسجد في موضعه مع أصحابه وإن بعدت الصفوف عنهم ويسدون فرجهم ، وأرخص في اعتدال الصف لطلب الشمس أو الظل ، وأجاز في الكتاب الصلاة بين الأساطين إذا ضاق المسجد ، وكراهيته : إما لتقطيع الصفوف ، أو لأنه مظنة النجاسة من [ ص: 263 ] الأحذية ، قال : قال مالك : إذا كانت المقصورة لا تدخل إلا بإذن فالصف الأول ما خرج عنها ، وإلا فلا .

                                                                                                                الخامس : قال في الكتاب : إذا صلت النساء بين الرجال صحت صلاتهم ، وقاله ش ، وقال ح : محاذاة المرأة تفسد الصلاة ; لقوله عليه السلام : أخروهن حيث أخرهن الله ، فمن لم يؤخرهن فهو قائم مقاما منهيا عنه فتفسد صلاته .

                                                                                                                وجوابه : أنه محمول على الندب مع أن الحديث يحتمل غير الضرورة في الشهادات أو غيرها ، مع أنه يقول لا تثبت فروض الصلاة إلا بطريق معلوم فقد نقض أصله ، قال صاحب الطراز : وقد غير أبو سعيد هذه المسألة باشتراط ضيق المسجد وليس شرطا ، قال : فلو قام مقام الإمام عند البيت وخلفه الرجال وصف النساء من الجهة الأخرى ، قال أشهب : لا بأس به ، قال : والأحسن أن يكن خلف الرجال .

                                                                                                                سؤال : شرف الصف الأول معلل بسماع القراءة وإرشاد الإمام وتوقع الاستخلاف ، ومقتضى ذلك أن يكون ما يلي الإمام من الثاني والثالث أفضل من آخر الأول إذا طال .

                                                                                                                جوابه : أن ذلك معارض بكون الواقف في الصف الأول متصفا بكونه من السابقين ، ولذلك حكى أبو عمر في التمهيد الخلاف بين العلماء هل الصف الأول الذي يلي الإمام أو السابق حيث كان ؟ .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية