الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2882 ) مسألة : قال ( وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد ) وجملة ذلك ، أن الشجر على خمسة أضرب : أحدها ، ما يكون ثمره في أكمامه ، ثم تتفتح الأكمام ، فيظهر ، كالنخل الذي وردت السنة فيه ، وبينا حكمه ، وهو الأصل ، وما عداه مقيس عليه ، وملحق به . ومن هذا الضرب ; القطن ، وما يقصد نوره ; كالورد ، والياسمين ، والنرجس ، والبنفسج ، فإنه تظهر أكمامه ثم تتفتح ، فيظهر ، فهو كالطلع إن تفتح صجنبذه ، فهو للبائع ، وإلا فهو للمشتري . الثاني ، ما تظهر ثمرته بارزة لا قشر عليها ولا نور ، كالتين ، والتوت ، والجميز ، فهن للبائع ; لأن ظهورها من شجرها بمنزلة ظهور الطلع من قشره . الثالث ، ما يظهر في قشره ، ثم يبقى فيه إلى حين الأكل ، كالرمان ، والموز ، فهو للبائع أيضا بنفس الظهور ; لأن قشره من مصلحته ، ويبقى فيه إلى حين الأكل ، فهو كالتين .

                                                                                                                                            ولأن قشره ينزل منزلة أجزائه ; للزومه إياه ، وكونه من مصلحته . الضرب الرابع ، ما يظهر في قشرين ، كالجوز ، واللوز ، فهو للبائع أيضا بنفس الظهور ; لأن قشره لا يزول عنه غالبا ، إلا بعد جزازه ، فأشبه الضرب الذي قبله . ولأن قشر اللوز يؤكل معه ، فأشبه التين .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إن تشقق القشر الأعلى فهو للبائع ، وإن لم يتشقق فهو للمشتري ، كالطلع . ولو اعتبر هذا لم يكن للبائع إلا نادرا ، ولا يصح قياسه على الطلع ; لأن الطلع لا بد من [ ص: 66 ] تشققه ، وتشققه من مصلحته ، وهذا بخلافه ، فإنه لا يتشقق على شجره ، وتشققه قبل كماله يفسده . الخامس ، ما يظهر نوره ، ثم يتناثر ، فتظهر الثمرة ، كالتفاح ، والمشمش ، والإجاص ، والخوخ . فإذا تفتح نوره ، وظهرت الثمرة فيه ، فهي للبائع ، وإن لم تظهر ، فهي للمشتري . وقيل : ما تناثر نوره ، فهو للبائع ، وما لا فهو للمشتري ; لأن الثمرة لا تظهر حتى يتناثر النور .

                                                                                                                                            وقال القاضي : يحتمل أن تكون للبائع بظهور نوره ; لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر ، فإن العقد التي في جوف الطلع ليست عين الثمرة ، وإنما هي أوعية لها ، تكبر الثمرة في جوفها ، وتظهر ، فتصير العقدة في طرفها ، وهي قمع الرطبة . وقول الخرقي يقتضي ما قلناه ; لأنه علق استحقاق البائع لها بكون الثمر باديا لا يبدو نوره . ولا يبدو الثمر حتى يتفتح نوره . وقد يبدو إذا كبر قبل أن ينثر النور ، فتعلق ذلك بظهوره .

                                                                                                                                            والعنب بمنزلة ما له نور ; لأنه يبدو في قطوفه شيء صغار كحب الدخن ، ثم يتفتح ، ويتناثر كتناثر النور ، فيكون من هذا القسم . والله أعلم . وهذا يفارق الطلع ; لأن الذي في الطلع عين الثمرة ينمو ويتغير ، والنور في هذه الثمار يتساقط ، ويذهب ، وتظهر الثمرة . ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه كما ذكرنا هاهنا ، أو قريبا منه ، وبينهما اختلاف على حسب ما ذكرنا من الخلاف ، أو قريبا منه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية