الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الثالث : أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها ، مثل أن يقول : والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى ، أو يخرج الدجال ، أو ما عشت ، أو قال : والله لا وطئتك حتى تحبلي ; لأنها لا تحبل إذا لم يطأها ، وقال القاضي : إذا قال حتى تحبلي ، وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا . وإن قال : والله لا وطئتك مدة ، أو ليطولن تركي لجماعك - لم يكن مؤليا حتى ينوي أربعة أشهر ، وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ، ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر ، أو لا وطئتك في هذه البلدة - لم يكن مؤليا . فإن قال : إن وطئتك فوالله لا وطئتك ، أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا حتى يوجد الشرط ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال . وإن قال : والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا حتى يطأها ، وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر ، وإن قال : إلا يوما ، فكذلك في أحد الوجهين . وفي الآخر يصير مؤليا في الحال . وإن قال : والله لا وطئتك أربعة أشهر ، فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا ، ويحتمل أن يصير مؤليا . وإن قال : والله لا وطئتك إن شئت ، فشاءت صار مؤليا ، وإن قال : إلا أن تشائي ، أو إلا باختيارك ، أو إلا أن تختاري لم يصر مؤليا . وقال أبو الخطاب : إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا ، وإن قال لنسائه : والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن . إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها ، وإن أراد واحدة مبهمة ، فقال أبو بكر : تخرج بالقرعة ، وإن قال : والله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن وتنحل يمينه بوطء واحدة ، وقال القاضي : لا تنحل في البواقي . وإن قال : والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين . وفي الآخر : لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة ، فعلى هذا لو طلق واحدة منهن ، أو ماتت انحلت يمينه هاهنا ، وفي التي قبلها لا تنحل في البواقي . وإن آلى من واحدة ، وقال للأخرى : شركتك معها لم يصر مؤليا من الثانية ، وقال القاضي : يصير مؤليا منهما .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الثالث أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر ) قاله ابن عباس ، وهو المشهور عن أحمد ; لأنه لم يمنع نفسه من الوطء باليمين أكثر من أربعة أشهر ، فلم يكن مؤليا كما لو حلف على ترك قبلها ، ولأن الله تعالى جعل له تربص أربعة أشهر فما دونها ، فلا معنى للتربص ; لأن مدة الإيلاء تنقضي قبل ذلك ، أو مع انقضائه . وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة تناولها الإيلاء ، ولأن المطالبة إنما تكون بعدها ، فإذا انقضت مدتها فما دون لم [ ص: 10 ] تصح المطالبة من غير إيلاء ، فلو قال : والله لا وطئتك ، كان مؤليا ; لأنه يقتضي التأبيد . وعنه : أنه إذا حلف على أربعة أشهر كان مؤليا . ذكرها القاضي أبو الحسين ، وقاله عطاء ، والثوري ; لأنه يمتنع عن الوطء باليمين أربعة أشهر ، فكان مؤليا كما لو حلف على ما زاد . ( أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها مثل أن يقول : والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى ، أو يخرج الدجال ، أو ما عشت ) أو حتى أموت ، أو تموتي ، أو يموت زيد ; لأن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر ظاهرا أشبه ما لو قال : والله لا وطئتك في نكاحي هذا ، ولأن حكم الغالب حكم القطع في كثير من الصور فكذا هنا ، وكذا لو علق الطلاق على مرضها ، أو مرض إنسان بعينه ، أو قيام الساعة .

                                                                                                                          فرع : إذا علق الإيلاء بشرط مستحيل كقوله : والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء ، ونحوه ، فهو مؤل ; لأن معناه ترك وطئها ، فإن ما يراد حالة وجوده تعلق على المستحيل كقوله تعالى في الكفار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط [ الأعراف : 40 ] وكقول الشاعر :


                                                                                                                          إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب

                                                                                                                          .

                                                                                                                          ( أو قال : والله لا وطئتك حتى تحبلي ) فهو مؤل ، ( لأنها لا تحبل إذا لم يطأها ) لأن حبلها بغير وطء مستحيل عادة كصعود السماء . وفي " المحرر " و " الفروع " : إذا قال حتى تحبلي ، ولم يكن وطئها ، أو وطئ ونيته حبل متجدد فمؤل ، وإلا فالروايتان ( وقال القاضي ) وأبو الخطاب ( إذا قال حتى تحبلي ، وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا ) لأنه يحتمل أنها تحبل قبل مدة الإيلاء ، قال [ ص: 11 ] المؤلف : لا أعلم لهذا وجها ، وهو صحيح إن كان مقصود الحالف حتى تحبلي من وطء ، فلو كانت صغيرة ، أو آيسة ، فهو مؤل . فإن قال أردت بـ " حتى " السببية ، أي : لا أطؤك لتحبلي قبل منه ; لأنه ليس بحالف على ترك الوطء .

                                                                                                                          تنبيه : لو علقه على ما يعلم وجوده قبل أربعة أشهر كجفاف بقل ، أو ما يغلب على الظن وجوده قبلها كنزول الغيث في أوانه ، أو ما يحتمل الأمرين كقدوم زيد من سفر قريب ، لم يكن مؤليا ; لأنه يغلب على الظن وجود الشرط ، فلا يثبت حكمه ، وكذا لو قال : والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا ، بخلاف ما لو قال : والله لا وطئتك طاهرا ، أو وطئا مباحا ، فإنه يصير مؤليا .

                                                                                                                          ( وإن قال : والله لا وطئتك مدة ، أو ليطولن تركي لجماعك - لم يكن مؤليا ) ، لأن ذلك يقع على القليل ، والكثير ، فلا يصير مؤليا به ( حتى ينوي ) أكثر من ( أربعة أشهر ) ليتمحض اليمين للمدة المعتبرة . وفي قول المصنف " ليطولن تركي لجماعك " صريح في الإيلاء ، وصرح به في " المغني " ; لأن الجماع نص في إدخال الذكر في الفرج ، وذكره أبو الخطاب في الكنايات ; لأن الجماع يطلق ويراد به الجماع دون الفرج ، فعلى هذا فيه نية إدخال الذكر في الفرج كما نية المدة .



                                                                                                                          ( وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ، ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر ، أو لا وطئتك في هذه البلدة - لم يكن مؤليا ) لأنه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ، ولا يمكنه وطؤها في غير البلدة المحلوف [ ص: 12 ] عليها . وقال ابن أبي ليلى وإسحاق : هو مؤل ; لأنه حالف على ترك وطئها . وجوابه أنه يمكن وطؤها بغير حنث ، فلم يكن مؤليا كما لو استثنى في يمينه .



                                                                                                                          فرع : إذا علقه على فعل مباح ، لا مشقة فيه كقوله : والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار - لم يكن مؤليا ، بخلاف ما لو علقه على محرم كقوله : والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر ، أو أقتل زيدا ; لأنه علقه بممتنع شرعا أشبه الممتنع حسا ، فإن علقه على ما على فاعله فيه مضرة كقوله : والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك عني ، أو حتى تكفلي ولدي ، فهو مؤل ; لأن أخذه لمالها ، أو مال غيرها عن غير رضا صاحبه محرم أشبه شرب الخمر .


                                                                                                                          ( فإن قال : إن وطئتك فوالله لا وطئتك ، أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا ) في الحال ; لأنه لا يلزمه في الوطء حق ( حتى يوجد الشرط ) ونصره في " الشرح " وغيره ; لأنه يصير مؤليا بالوطء ، أو دخول الدار ; لأنها تبقى يمينا بمنع الوطء على التأبيد . ( ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال ) لأنه لا يمكنه الوطء إلا بأن يصير مؤليا بالوطء ، أو دخول الدار فيلحقه بالوطء ضرر أشبه ما لو منع نفسه من وطئها في الحال في المدة المعتبرة ، وجوابه بأنه يمكنه الوطء من غير حنث ، فلم يكن مؤليا كما لو لم يقل شيئا . وإن قال : إن وطئتك فوالله لا أطؤك فأولج الحشفة ، ثم زاد حنث بالزيادة ، وقيل : لا كمن نوى .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن مؤليا لإمكان وطئها بغير حنث . وكذا إن قال ، والله لا وطئتك مريضة إلا أن يكون بها مرض ، لا يرجى برؤه ، أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن يكون مؤليا ; لأنه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر ، فإن قال ذلك وهي صحيحة فمرضت [ ص: 13 ] مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر ، لم يصر مؤليا وإلا فلا .



                                                                                                                          ( وإن قال : والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا ) في الحال ; لأنه يمكنه الوطء بغير حنث ، فلم يكن ممنوعا من الوطء بحكم يمينه ( حتى يطأها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر ) فيكون مؤليا ; لأنه صار ممنوعا من وطئها بيمينه . وفيه وجه يصير مؤليا في الحال ; لأنه لا يمكنه إلا بأن يصير مؤليا فيلحقه بالوطء ضرر ، وجوابه بأنه ممنوع فيما إذا وطئ ، وقد بقي من السنة ثلثها فأقل ; لأنه لم تبق المدة الممنوع من الوطء فيها المدة المعتبرة في الإيلاء .

                                                                                                                          ( وإن قال : إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين ) جزم في " الوجيز " ، وهو المذهب ; لأن اليوم يتنكر ، فلا يختص يوما دون يوم وحينئذ فيجوز أن يكون اليوم المستثنى في الحال ويجوز أن يكون في المآل ، فلا يتحقق الإيلاء لفوات شرطه ، فعليه إن وطئها . وقد بقي من السنة أكثر من ثلثها صار مؤليا وإلا فلا ، ومثله لو قال صمت رمضان إلا يوما ، أو لا كلمتك في السنة إلا يوما ، فإنه لا يختص بيوم . ( وفي الآخر يصير مؤليا في الحال ) وهو قول القاضي وأصحابه ; لأن اليوم المستثنى يكون في آخر المدة كالتأجيل . ومدة الخيار بخلاف المسألة الأولى ، فإن المدة لا تختص وقتا بعينه ومن نصر الأول قال : التأجيل في مدة الخيار تجب الموالاة فيهما ; لأنه لو جازت له المطالبة لزم قضاء الدين فيسقط التأجيل بالكلية ، ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز . وجواز الوطء في يوم من أول السنة وأوسطها ، لا يمنع حكم اليمين فيما بقي منها .

                                                                                                                          [ ص: 14 ] ( وإن قال : والله لا وطئتك أربعة أشهر ، فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا ) قدمه في " الكافي " ، و " المستوعب " و " الرعاية " و " المحرر " ; لأن كل واحد من الزمانين لا تزيد مدته على أربعة أشهر . ( ويحتمل أن يصير مؤليا ) صححه في " الشرح " ; لأنه يمتنع بيمينه من وطئها مدة متوالية أكثر من أربعة أشهر . وأطلق في " الفروع " الخلاف . وكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعهما عن أربعة أشهر كثلاثة أشهر وشهرين .



                                                                                                                          ( وإن قال : والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار مؤليا ) بوجوده في قول أكثرهم ; لأنه لا يصير ممتنعا من الوطء حتى تشاء ، ولأنه علق اليمين على المشيئة بحرف " إن " أشبه مشيئة غيرها ، فإن حنث فهل لا يكون مؤليا كقوله : والله لا وطئتك إلا برضاك ، فالجواب الفرق بينهما بأنها إذا شاءت انعقدت يمينه بحيث ، لا يمكنه الوطء بغير حنث : بخلاف : والله لا وطئتك إلا برضاك ، فإنه لم يحلف إلا على وطئها حال سخطها ، فيمكنه وطؤها في حال رضاها بغير حنث . فإن قالت : ما أشاء ، أو سكتت لم يصر مؤليا قاله في " المستوعب " .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : والله لا وطئتك إلا أن يشاء أبوك ، أو فلان لم يكن مؤليا ; لأنه علقه بوجود فعل يمكن وجوده في ثلث سنة إمكانا غير بعيد وليس بمحرم ، ولا فيه مضرة ، أشبه ما لو علقه على دخولها الدار . ( وإن قال : إلا أن تشائي ، أو إلا باختيارك ، أو إلا أن تختاري لم يصر مؤليا ) . اقتصر [ ص: 15 ] عليه في " الكافي " ونصره في " الشرح " ; لأنه منع نفسه من وطئها بيمينه إلا عند إرادتها . أشبه ما لو قال : إلا برضاك ، أو حتى تشائي ، وكما لو علقه على مشيئة غيرها ، وقال القاضي : تنعقد يمينه ، فإن شاءت انحلت وإلا فهي منعقدة . ( وقال أبو الخطاب ) وابن الجوزي وجزم به في " التبصرة " ( إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا ) لأنه يصدق بمضي المجلس أنها ما شاءت فوجب تحقق ذلك لفوات الاستثناء ، فظاهره بل صريحه يعتمد أن المشيئة تعتبر في المجلس ، والمذهب : لا فرق بين وجودها في الحال ، أو التراخي .

                                                                                                                          فرع : إذا حلف لا يطؤها حتى تفطم ولدها ، أو ترضعه كان مؤليا ، إذا كان بينه وبين مدة الفطام والرضاع أكثر من أربعة أشهر ، فإن مات الولد قبل مضي أربعة أشهر سقط الإيلاء .

                                                                                                                          مسألة : إذا حلف على وطء امرأته عاما ، ثم كفر يمينه انحل الإيلاء ، فإن كان تكفيره قبل مضي أربعة أشهر لم ينحل الإيلاء حين التكفير ، وإن كفر بعد الأربعة قبل الوقت صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه على وفقه .



                                                                                                                          ( وإن قال لنسائه : والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن ) . جزم به الجماعة ; لأن النكرة في سياق النفي ، فإنها تعم ، ولا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بالحنث ، وقال القاضي : يكون مؤليا من واحدة غير معينة ; لأن لفظه تناول واحدة منكرة ، فلا يقتضي العموم . وجوابه مما سبق لقوله تعالى : لم يتخذ ولدا [ الإسراء : 111 ] ولم يكن له كفوا أحد [ الإخلاص : 4 ] [ ص: 16 ] فيجب حمل اللفظ على الإطلاق على مقتضاه في العموم ، فعلى الأول إذا طلق واحدة منهن ، أو ماتت كان مؤليا من البواقي ; لأنه تعلق بكل واحدة منفردة ، وإن وطئ واحدة منهن حنث وسقط الإيلاء من الباقيات ; لأنها يمين واحدة . ( إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها ) ، لأن اللفظ يحتمله ، وهو أعلم بنيته ، ( وإن أراد واحدة مبهمة ) قبل منه ، ولا يصير مؤليا منهن في الحال ، فإذا وطئ ثلاثا كان مؤليا من الرابعة ( فقال أبو بكر : يخرج بالقرعة ) قدمه في " المحرر " و " الرعاية " وجزم به في " الوجيز " ، وفي " الكافي " هو قياس المذهب . كما إذا طلق واحدة من نسائه ، لا بعينها وكالعتق ، وقيل : يرجع إلى تعيينه .

                                                                                                                          ( وإن قال : والله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن ) لأن لفظه صريح في التعميم ، ولا يقبل قوله : نويت واحدة معينة ، أو مبهمة ، ولفظة " كل " أزالت الخصوص . ( وتنحل يمينه بوطء واحدة ) جزم به في " الكافي " ، وقدمه في " الرعاية " ; لأنها يمين واحدة تعلقت بأشياء ، فإذا حنث فيها لم تتبعض . ويسقط حكم المهر في الباقي ( وقال القاضي : لا تنحل في البواقي ) قدمه في " المستوعب " كما لو طلق إحداهن ، أو ماتت ، ولأنه صريح بمنع نفسه من كل واحدة أشبه ما لو حلف على كل واحدة يمينا .

                                                                                                                          فرع : إذا قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق ، وقلنا : هو إيلاء ، فهو مؤل منهن .

                                                                                                                          [ ص: 17 ] ( وإن قال : والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين ) وهو ينبني على أصل . وهو هل يحنث بفعل البعض ، وفيه روايتان : إحداهما : يحنث فيكون مؤليا في الحال منهن ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه لا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بحنث ، فإذا وطئ واحدة انحلت يمينه ; لأنها يمين واحدة فتنحل بالحنث فيها كما لو حلف على واحدة ، والثانية : لا يحنث بفعل البعض ، ولا يكون مؤليا في الحال ; لأنه يمكنه وطء كل واحدة بغير حنث . ( وفي الآخر : لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة ) ، لأن المنع حينئذ يصير في الرابعة محققا ضرورة الحنث بوطئها وابتداء المدة حينئذ ، ( فعلى هذا لو طلق واحدة منهن ، أو ماتت انحلت يمينه هاهنا ) لأنه يمكنه وطء الباقيات بغير حنث ، ( وفي التي قبلها ، لا تنحل في البواقي ) لأنه يقتضي كون المحلوف عليه المنع من كل واحدة ، وطلاق واحدة ، أو موتها ، لا يوجب انحلال اليمين في غيرها كما لو حلف بالله : لا وطئت هذه ، ثم حلف : لا وطئت هذه ، ثم ماتت إحداهما ، أو طلقها ، وذكر القاضي أنه إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة حنث ، ولم ينحل الإيلاء في البواقي ونصره في " الشرح " خلاف قوله ، وقيل : إن ماتت لم تبق يمين ، ولا إيلاء على الوجهين ، وعلى الأول إذا قلنا صار مؤليا منهن ، فإذا طالبن بالفيئة ، وقف لهن كلهن ، فإن اختلفت مطالبتهن ، وقف لكل واحدة عند طلبها ، اختاره أبو بكر ; لأنه لا يؤخذ بحقها قبل طلبها ، وعنه : يوقف للجميع وقت مطالبة أولاهن . قال القاضي : هو ظاهر كلام أحمد ; لأنها يمين واحدة ، فكان الوقف لها واحدا ، والكفارة واحدة ، وقيل : تجب [ ص: 18 ] بفيئته إلى كل واحدة كفارة .

                                                                                                                          ( وإن آلى من واحدة ، وقال للأخرى : شركتك معها لم يصر مؤليا من الثانية ) لأن اليمين بالله لا تصح إلا بلفظ صريح من اسم ، أو صفة ، والتشريك بينهما كناية ، فلم تصح به اليمين . ( وقال القاضي : يصير مؤليا منهما ) كالطلاق لكن الفرق بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية ، وليس كذلك اليمين ، فلو آلى رجل من زوجته ، فقال آخر لامرأته : أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا . وعلم مما سبق أنه لا يصح إلا من زوجة ، فلو حلف على ترك وطء أمته لم يكن مؤليا للنص ، وكذا لو حلف على ترك وطء أجنبية ، ثم نكحها ، نص عليه ونصره في " الشرح " لأن الإيلاء حكم من أحكام النكاح ، فلم يتقدمه كالطلاق ، وقال الشريف أبو جعفر : قال أحمد : يصح الظهار قبل النكاح فكذا الإيلاء ، وقيل : بشرط إضافته إلى النكاح كما لو قال : إن تزوجت فلانة فوالله لا وطئتها ، ومثله نكاح فاسد .

                                                                                                                          تنبيه : يصح الإيلاء بكل لغة مطلقا ، فإن آلى بالعجمية ، أو العربية من لا يدري معناها لم يكن مؤليا ، وإن نوى موجبها عند أهلها ، فإن آلى عربي ، أو عجمي بلغته ، ثم قال : جرى على لساني من غير قصد لم يقبل قوله في الحكم ; لأنه خلاف الظاهر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية