الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب المحاربين وقطاع الطريق 3182 - ( عن قتادة عن أنس { أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام فاستوخموا المدينة ، فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع ، وأمرهم أن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم ، فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم } . رواه الجماعة ، وزاد البخاري : قال قتادة : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة .

                                                                                                                                            وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود ، قال قتادة : فحدثني ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود . وللبخاري وأبي داود في هذا الحديث : { فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ، ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا } .

                                                                                                                                            وفي رواية النسائي : فقطع أيديهم [ ص: 181 ] وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم ) .

                                                                                                                                            3183 - ( وعن سليمان التيمي عن أنس قال { : إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة } . رواه مسلم والنسائي والترمذي ) .

                                                                                                                                            3184 - ( وعن أبي الزناد { : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك ، فأنزل { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } الآية } . رواه أبو داود والنسائي ) .

                                                                                                                                            3185 - ( وعن ابن عباس في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض . رواه الشافعي في مسنده ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي الزناد - وقد سكت عنه أبو داود - لم يذكر المنذري له علة غير إرساله ، ورجال هذا المرسل رجال الصحيح . وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمرو عن عمر كما في سنن أبي داود في الحدود . ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس : { أن ناسا أغاروا على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا ، فبعث في آثارهم فأخذوا ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ، قال : فنزلت فيه آية المحاربة } وعند البخاري وأبي داود عن أبي قلابة أنه قال في العرنيين : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله ، وهو يشير إلى أنهم سبب الآية .

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر أن الآية نزلت في العرنيين : .

                                                                                                                                            وأثر ابن عباس في إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس . وأخرجه البيهقي من طريق محمد بن سعيد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في قوله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } قال : إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته ، فإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب . وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف . وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما عليه النفي " ورواه أحمد بن حنبل في تفسيره عن أبي معاوية عن عطية به نحوه .

                                                                                                                                            [ ص: 182 ] وأخرج أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } إلى { غفور رحيم } نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدروا عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه ، وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . قوله : ( من عكل وعرينة ) في رواية للبخاري " من عكل أو عرينة " بالشك ، ورواية الكتاب هي الصواب كما قال الحافظ ، ويؤيدها ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال : " كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " وزعم الداودي وابن التين أن عرينة هم عكل وهو غلط ، بل هما قبيلتان متغايرتان ، فعكل من عدنان ، وعرينة من قحطان .

                                                                                                                                            وعكل بضم العين المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب . وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا : حي من قضاعة وحي من بجيلة ، والمراد هنا الثاني ، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي ، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس . ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة وهو غلط ، لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا . وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد ، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست . وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها ، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما . قوله : ( فاستوخموا المدينة ) في رواية : " اجتووا المدينة " قال ابن فارس : اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة ، وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة .

                                                                                                                                            وقال القزاز : اجتووا أي لم يوافقهم طعامها . وقال ابن العربي : الجوى : داء يأخذ من الوباء ، ورواية " استوخموا " بمعنى هذه الرواية ، وللبخاري في الطب من رواية ثابت عن أنس : { أن ناسا كان بهم سقم قالوا : يا رسول الله آونا وأطعمنا ، فلما صحوا قالوا : المدينة وخمة } والظاهر أنهم قدموا سقاما ، فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها ، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع ، كما رواه أبو عوانة عن أنس أنه كان بهم هزال شديد . وعنده من رواية أبي سعيد مصفرة ألوانها ، وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة ، كما رواه أحمد عن أنس . وذكر البخاري في الطب عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة " . قوله : ( فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع ) وقد تقدم تفسير الذود في الزكاة .

                                                                                                                                            وفي رواية للبخاري وغيره " فأمرهم بلقاح " أي أمرهم أن يلحقوا بها ، وفي أخرى له " فأمر لهم بلقاح " واللقاح بكسر اللام وبعدها قاف وآخره مهملة : النوق ذوات الألبان ، واحدتها لقحة [ ص: 183 ] بكسر اللام وإسكان القاف . قوله : ( فليشربوا من أبوالها ) استدل به من قال بطهارة أبوال الإبل ، وقاس سائر المأكولات عليها ، وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل الكتاب . قوله : ( بناحية الحرة ) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة . قوله : ( وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم ) اسمه يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كما ذكره الطبراني وابن إسحاق في السيرة .

                                                                                                                                            وفي لفظ لمسلم أنهم قتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال : قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل . قال الحافظ : ولم أقف على اسم الراعي الآتي بالخبر ، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث الطلب في آثارهم . ذكر ابن إسحاق عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي ، وفي رواية للنسائي : " فبعث في طلبهم قافة " أي جمع قائف . ولمسلم " إنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا ، وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم " .

                                                                                                                                            وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد ، وذكر غيره أنه سعيد بن زيد الأشهلي ، والأول أنصاري . ويمكن الجمع بأن كل واحد منهما أمير قومه وكرز أمير الجميع .

                                                                                                                                            وفي رواية للطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم ، وإسناده ضعيف ، والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة . قوله : ( فأمر بهم ) فيه حذف تقديره فأدركوا فأخذوا فجيء بهم فأمر بهم .

                                                                                                                                            وفي رواية للبخاري فلما ارتفع النهار جيء بهم .

                                                                                                                                            قوله : ( فسمروا أعينهم ) بالسين المهملة وتشديد الميم .

                                                                                                                                            وفي رواية للبخاري " وسمرت أعينهم " .

                                                                                                                                            وفي رواية لمسلم : " وسمل أعينهم " بتخفيف الميم واللام . قال الخطابي : السمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب ، قال : وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت ، قال : والسمل : فقء العين بأي شيء كان . قال أبو ذؤيب الهذلي :

                                                                                                                                            والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع

                                                                                                                                            وقد وقع التصريح بمعنى السمر في الرواية المذكورة في الباب بلفظ : " فأمر بمسامير . . . إلخ " . قوله : ( وما حسمهم ) أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف . قوله : ( يستسقون فما سقوا ) في رواية للبخاري : " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي أخرى له : يعضون الحجارة " وفي أخرى له في الطب ، " قال أنس : فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت " .

                                                                                                                                            وفي رواية لأبي عوانة من هذا الوجه : " يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة " . قوله : ( وصلبهم ) حكي في [ ص: 184 ] الفتح عن الواقدي أنهم صلبوا ، قال : والروايات الصحيحة ترده ، ولكن عند أبي عوانة عن أنس : { فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين } وهذا يدل على أنهم ستة فقط ، وقد تقدم ما يدل على أنهم سبعة .

                                                                                                                                            وفي البخاري في الجهاد عن أنس : " أن رهطا من عكل ثمانية " . قوله : ( لأنهم سملوا أعين الرعاة ) فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك بهم اقتصاصا لما فعلوه بالرعاة وإلى ذلك مال جماعة منهم ابن الجوزي . وتعقبه ابن دقيق بأن المثلة وقعت في حقهم من جهات ، وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية ، وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي ، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ .

                                                                                                                                            قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة : هذا الحديث ينسخ كل مثلة . وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ . ويجاب عن هذا التعقب بحديث أبي الزناد المذكور ، فإن معاتبة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم تدل على أن ذلك الفعل غير جائز ، ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه . وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة ، وقد حضر الإذن ثم النهي عنه . ويؤيده أيضا ما في الباب عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ، وأصرح من الجميع ما في الباب عن قتادة { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة } ، وإلى هذا مال البخاري ، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي . واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع ، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم . ا هـ .

                                                                                                                                            وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكت ، والسكوت كاف في ثبوت الحكم . وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره ، ويدل عليه أن من معه ماء لطهارته فقط لا يسقي المرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا . وقال الخطابي : إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل : إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم . قوله : ( وعن ابن عباس في قطاع الطريق ) أي الحكم فيهم هو المذكور . وقد حكى في البحر عن ابن عباس والمؤيد بالله وأبي طالب والحنفية والشافعية أن الآية ، أعني قوله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } نزلت في قطاع الطريق المحاربين .

                                                                                                                                            وعن ابن عمر والهادي إنها نزلت في العرنيين ، ويدل على ذلك حديث أبي الزناد المذكور في الباب . وحكى المؤيد بالله وأبو طالب عن قوم أنها نزلت في المشركين . ورد ذلك بالإجماع على أنه لا يفعل بالمشركين كذلك ، ويدفع هذا الرد بما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنها نزلت في المشركين ، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بعلم التأويل . وقد ذهب أكثر العترة والفقهاء إلى أن المحارب [ ص: 185 ] هو من أخاف السبيل في غير المصر لأخذ المال ، وسواء أخاف المسلمين أو الذميين . قال الهادي وأبو حنيفة : إن قاطع الطريق في المصر أو القرية ليس محاربا للحوق الغوث بل مختلسا أو منتهبا .

                                                                                                                                            وفي رواية عن مالك : إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك إذ يلحقه الغوث .

                                                                                                                                            وفي رواية أخرى عن مالك لا فرق بين المصر وغيره ، لأن الآية لم تفصل ، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد والشافعي والناصر والإمام يحيى ، وإذا لم يكن قد أحدث المحارب غير الإخافة عزره الإمام فقط ، قال أبو طالب وأصحاب الشافعي : ولا نفي مع التعزير ، وأثبته المؤيد بالله ، فإن وقع منه القتل فقط فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يقتل فقط .

                                                                                                                                            وعن أبي حنيفة ليس بمحارب إن قتل بمثقل ، فإن قتل وأخذ المال فذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه يقتل ويصلب . ولا قطع لدخوله في القتل . قال الناصر وأبو العباس : بل يخير الإمام بين أن يصلب أو يقتل ، أو يقتل ثم يصلب ، أو يقطع ثم يقتل ، أو يقطع ويقتل ويصلب ، لأن أو للتخيير . وقال مالك : إذا شهروا السلاح وأخافوا لزمهم ما في الآية . وقال الحسن البصري وابن المسيب ومجاهد : إذا أخافوا خير الإمام بين أن يقتل ويصلب ، أو يقطع الرجل واليد فقط ، أو فقط لأجل التخيير . وقال أبو الطيب بن سلمة من الشافعية : وحصله صاحب الوافي للهادي أنهم إذا أخذوا المال وقتلوا ، قطعوا للمال ثم قتلوا للقتل ثم صلبوا للجمع بين الأخذ والقتل .

                                                                                                                                            قال أبو حنيفة والهادوية : فإن قتل وجرح قتل فقط لدخول الجرح في القتل . وقال الشافعي : بل يجرح ثم يقتل إذ هما جنايتان ، والنفي المذكور في الآية هو طرد سنة عند الهادي والشافعي وأحمد والمؤيد بالله وأبي طالب . وقال الناصر وأبو حنيفة وأصحابه : بل الحبس فقط إذ القصد دفع أذاه . وإذا كان المحاربون جماعة واختلفت جناياتهم فذهب العترة والشافعي إلى أنه يحد كل واحد منهم بقدر جنايته . وقال أبو حنيفة : بل يستوون إذ المعين كالقاتل واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس ؟ فذهب الشافعي والناصر والإمام يحيى إلى أن يقدم الصلب على القتل ، إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب .

                                                                                                                                            وقال الهادي وأبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي رحمه الله: إنه لا صلب قبل القتل لأنه مثلة ، وجعل الهادي أو بمعنى الواو ، ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب . وقال بعض أصحاب الشافعي : يصلب قبل القتل ثلاثا ثم ينزل فيقتل . وقال بعض أصحاب الشافعي أيضا : يصلب حتى يموت جوعا وعطشا ، وقال أبو يوسف والكرخي : يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت . وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي أنه لا معنى للصلب بعد القتل ، واختلفوا في مقدار الصلب ، فقال الهادي : حتى تنتثر عظامه ، وقال [ ص: 186 ] ابن أبي هريرة حتى يسيل صديده ، وقال بعض أصحاب الشافعي ثلاثا في البلاد الباردة ، وفي الحارة ينزل قبل الثلاث .

                                                                                                                                            وقال الناصر والشافعي : ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب . وقد رجح صاحب البحر أن الآية للتخيير وتكون العقوبة بحسب الجنايات ، وأن التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا ، ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط ، أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط ، إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك ، وهو مثل تفسير ابن عباس المذكور في الباب . وقال صاحب المنار : إن الآية تحتمل التخيير احتمالا مرجوحا . قال : والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل { إنما الصدقات للفقراء } الآية .

                                                                                                                                            قال : وهو مثل ما قاله صاحب البحر ، يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا ، ورجح صاحب ضوء النهار اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد ثم ذكر ذلك ، وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب . وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف ، وقد أورد منها في هذا الشرح طرفا مفيدا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية