الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال بصرت بما لم يبصروا به أي: فطنت لما لم يفطنوا؛ فإن الإبصار يكون بالعين المبصرة؛ والبصر الذي هو مصدر "يبصر "؛ يكون بالقلب؛ والعقل؛ والفكر؛ وقد كان السامري فطنا؛ يعلم صناعة التماثيل؛ وكان له في ذلك مهارة فائقة؛ كالمتخصصين في هذه الصناعة؛ وقد قيل: إنه صنع من قبل تمثالين من شمع؛ أحدهما لثور؛ والآخر لثورة؛ ولعله صنعهما أمام موسى؛ ليعلم موسى مقدار ما بصر به من صناعة التماثيل.

                                                          وقوله (تعالى): فقبضت قبضة من أثر الرسول و "الأثر "؛ ليس هو أثر جبريل؛ ولا فرس جبريل؛ ولكنه أثر معنوي؛ والرسول ليس هو جبريل؛ فلم يجئ ذكر لجبريل في هذا الموضوع؛ حتى يراد بالمعرف بـ "ال "؛ إنما الرسول الذي تكرر ذكره بالرسالة هو موسى كليم الله؛ وأثر موسى كليم الله (تعالى) هو دعوته إلى التوحيد؛ وإلى عبادة الله (تعالى) وحده؛ لا شريك له؛ فذلك هو أثر موسى؛ وهو أثر كل رسول [ ص: 4779 ] برسالة سماوية من الله (تعالى)؛ "فنبذتها "؛ أي: ألقاها في مهب الريح؛ كما تلقى النواة؛ وترمى؛ واستبدل بالتوحيد الشرك والكفر؛ وأن يكون على دين من يعبدون البقر؛ لعنهم الله (تعالى)؛ وقد بين بعد ذلك أن هذا من هوى النفس؛ وليس قائما على منطق من عقل؛ ولذا قال: وكذلك سولت لي نفسي أي: كذلك الذي رأيتم من فتنة بني إسرائيل بهذا التضليل زينت لي نفسي؛ ومعنى التسويل أنه تردد في هذا الأمر بتساؤل نفسي؛ حتى اختار ما اختار؛ وزينته وحسنته؛ كان لا بد له من عقاب يكون به عبرة في الدنيا؛ وعقاب الآخرة ثابت له؛ ولذا ذكره موسى الكليم بعقاب في الدنيا؛ وترك عقاب الآخرة لربه الأعلى؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية