الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الواحد الأحد.. وعاقبة جحوده

                                                          إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ [ ص: 4781 ] في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما

                                                          بين الله - سبحانه - بعد أن كشف موسى لبني إسرائيل بطلان عبادتهم تمثال العجل الذي عبدوه؛ وما نزل بمن ابتدع عبادته؛ ومآل ذلك التمثال؛ أخذ يبين المعبود الحق؛ والإله الذي توافرت فيه أسباب الألوهية؛ مخاطبا الناس أجمعين؛ قريشا؛ وغيرهم من الخليقة؛ وبني إسرائيل؛ وسواهم؛ فقال - عز من قائل -: إنما إلهكم الله أكد - سبحانه - وحدانية الألوهية في الله - جل جلاله - بثلاثة مؤكدات؛ أولها: "إنما "؛ فإنها تدل على الحصر؛ أي أنها تدل على أنه لا إله غيره؛ والثاني: بتعريف الطرفين: إلهكم الله - جل جلاله - فـ "إلهكم "؛ معرفة؛ و "الله " - جل جلاله - معرفة؛ والثالث بقوله: "لا إله إلا هو "؛ هذا التأكيد كان من مقتضى الحال; لأنه تعقيب على قول ناس ضلوا ضلالا بعيدا؛ حتى بلغ بهم الوهم أن صنعوا تمثالا بأيديهم؛ وعبدوه؛ فكان فعلهم بهتانا عظيما؛ بهتوا به العقول والمدارك؛ وعندما يشتد قول الباطل يكون من مقتضى الحال أن يؤكد بيان الحق ليمحو الأوهام.

                                                          ولقد ذكر - سبحانه - بعد ذلك السبب في أن الله وحده هو الإله؛ فقال: وسع كل شيء علما أي: وسع علمه كل شيء؛ فهو - سبحانه وتعالى - يعلم الوجود كله؛ من مبتدئه إلى منتهاه؛ ومآله؛ ولا يكون ذلك إلا للخالق المدبر - سبحانه وتعالى -؛ فالله (تعالى) كان الإله وحده; لأنه خلق كل شيء وحده؛ فلا يشاركه في خلقه أحد؛ وهو بهذا ليس من نوع ما خلق؛ بل هو مخالف لكل الحوادث التي أنشاها؛ وغيره منها؛ فهو بمقتضى حكم العقل المعبود وحده؛ ولا معبود سواه; لأن ما عداه - حجرا [كان] أو شخصا أو تمثالا - ناقص؛ محتاج إلى غيره؛ ولا يعبد إلا الكامل؛ واجب الوجود المطلق. [ ص: 4782 ] وقوله (تعالى): وسع كل شيء علما "علما "؛ فيه تمييز محول من فاعل؛ أي: وسع علمه كل شيء؛ وكان ذلك التحويل من فاعل إلى تمييز لتمكين نسبة العلم إليه - سبحانه -؛ إذ إن في الإبهام في "وسع "؛ وبعده البيان؛ تمكين فضل.

                                                          ويشير - سبحانه وتعالى - إلى حكمة القصص؛ وعبرته؛ فيقول - عز من قائل -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية