الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن كانت أمة ثيبا فوطئها فالوطء أقل من الخدمة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . وطء المشتري للأمة الثيب لا يمنعه من ردها بالعيب ، ولا مهر عليه ، وهو قول زيد بن ثابت .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : وطؤه مانع من الرد بالعيب ويرجع بالأرش .

                                                                                                                                            وقد روي نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقال ابن أبي ليلى : يردها ويرد معها عقرها ، وهو المهر . وروي بنحوه عن عمر رضي الله عنه قال : وعقرها إن كانت بكرا عشر قيمتها ، وإن كانت ثيبا نصف العشر " واستدل من جعل الوطء مانعا من الرد بالعيب ، بأنه وطء ويكمل به المهر ، فوجب أن يكون حدوثه من المشتري مانعا من الرد بالعيب قياسا على وطء البكر ، قالوا : ولأن الوطء كالجناية لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يستباح بالإباحة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا ينفك من وجوب ما له أو وجوب حق في بدن يسقط بالشبهة .

                                                                                                                                            [ ص: 247 ] فإذا ثبت بهذين أنه كالجناية وجب أن يكون مانعا من الرد كالعيب كالجناية .

                                                                                                                                            والدلالة على أن لا يمنع من الرد بالعيب ، أن الوطء أقل من الخدمة : لأن الوطء يلذ ويطرب ، والخدمة تكدر وتتعب ، فلما جاز له الرد مع ما أكد وأتعب ، فأولى أن يجوز مع ما ألذ وأطرب ، وقد يتحرر هذا الاستدلال قياسا ، فيقال : لأنه معنى لم يؤثر في العين والقيمة ، فوجب أن لا يمنع من الرد كالخدمة : ولأن وطء الأجنبي بالزنا كرها أغلظ من وطء المشتري بالملك طوعا ، فلما كان زنا الأجنبي بها لا يمنع من الرد بالعيب ، فوطء المشتري أحرى أن لا يمنع من الرد بالعيب ، وتحريره أنه استمتاع لم يتضمن إتلافا فوجب أن لا يمنع من الرد بالعيب قياسا على الأجنبي ، ولأنها أولى لو كانت ذات زوج لم يكن وطء الزوج مانعا للمشتري من الرد ، فوطء المشتري أولى أن لا يمنعه من الرد كالزوج ، وتحريره قياسا أنه وطء لو كان حراما ، لم يمنع من الرد ، فأولى إذا كان حلالا أن لا يمنع من الرد كالزوج ، ولأن كل معنى لو حدث عند البائع بعد العقد وقبل القبض لم يثبت للمشتري الفسخ ، وجب إذا كان عند المشتري أن لا يمنعه من الرد كالقبلة .

                                                                                                                                            وقد ثبت أنها لو وطئت في يد البائع بشبهة ، لم يكن ذلك عيبا يستحق به المشتري الفسخ ، فكذلك إذا وطئها المشتري لم يكن ذلك عيبا يمنعه من الرد .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قياسهم على وطء البكر ، فالمعنى فيه أنه نقص يوكس من ثمنها ، وليس كذلك الثيب .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قولهم أن الوطء كالجناية ، فغلط من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجناية نقص يوكس القيمة وليس كذلك الوطء .

                                                                                                                                            والثاني : أن الجناية لما لم يختلف حكمها في وجودها من المشتري وغيره في المنع من الرد بالعيب ، واختلف عندهم وطء المشتري وغيره في المنع من الرد بالعيب ، دل على اختلاف حكمها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية