الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء لم تملك طلب الفيئة ، وإن كان العذر به ، وهو مما يعجز به عن الوطء أمر أن يفيء بلسانه فيقول : متى قدرت جامعتك ، ثم متى قدر على الوطء لزمه ذلك ، أو يطلق . وقال أبو بكر : لا يلزمه ، وإن كان مظاهرا فقال : أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري ، أمهل ثلاثة أيام . وإن قال : أمهلوني حتى أقضي صلاتي ، أو أتغدى ، أو حتى ينهضم الطعام ، أو أنام ، فإني ناعس أمهل بقدر ذلك .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء ) كمرض وإحرام ( لم تملك طلب الفيئة ) لأن الوطء ممتنع من جهتها ، ولأن المطالبة مع الاستحقاق ، وهي لا تستحق الوطء في هذه الأحوال وليس لها المطالبة بالطلاق ; لأنها إنما تستحق عند امتناعه ، ولم يجب عليه شيء لكن تتأخر المطالبة إلى زوال العذر إن لم يكن قاطعا للمدة كالحيض ، أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة . وفي " الرعاية " لم تطالب بفيئة الوطء حتى يزول ذلك . وفي فيئة القول وجهان ( وإن كان العذر به ، وهو مما يعجز به عن الوطء ) كمرض وحبس مطلقا ، ( أمر أن يفيء بلسانه ) ولا يمهل لفيئة اللسان ( فيقول : متى قدرت جامعتك ) ، هذا قول ابن مسعود وجمع ; لأن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الإضرار . وقد ترك قصد الإضرار بما أتى به من الاعتذار . والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل إشهاد الشفيع على الطلب بها . ولا يحتاج أن يقول : ندمت ; لأن الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام عن اليمين . وحكى أبو الخطاب عن [ ص: 24 ] القاضي أن فيئة المعذور أن يقول فئت إليك ، وقاله الثوري وأبو عبيد واختاره الخرقي وأبو بكر ، والحلواني ; لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الإضرار . ( ثم متى قدر على الوطء لزمه ذلك ، أو يطلق ) . صححه ابن حمدان ونصره المؤلف ; لأنه أخر حقها لعجزه عنه ، فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها إياه كالدين على المعسر إذا قدر عليه . ( وقال أبو بكر : لا يلزمه ) وهو قول الحسن وعكرمة ، والأوزاعي ; لأنه فاء مرة ، فلا يلزمه أخرى كالوطء . والمذهب الأول ; لأن فيئته بالقول ليس عين حقها ، وإنما هو وعد بإيفاء حقها ، فحقها الأصلي باق ، ولا مانع من فعله فلزمه كما لم يفء بلسانه ، فإن رضيت بالمقام مع العاجز لم تضرب له مدة في الأصح وعلم منه أن من أفاء بلسانه ، فلا كفارة عليه ، ولا حنث ; لأنه لم يفعل المحلوف عليه ، وإنما وعد بفعله كالمدين إذا أعسر ( وإن كان مظاهرا ) لم يطأ حتى يكفر ، فإذا وطئ صار مظاهرا منها وزال حكم الإيلاء . ( فقال : أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري ، أمهل ثلاثة أيام ) لأنها مدة قريبة . فالظهار كالمرض عند الخرقي ، وكذا الاعتكاف المنذور ، وذكر بعض أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنع الوطء ، لا يمهل من أجله ‌‌‌‌‌‌‌; لأن الامتناع بسبب منه ، فلا يسقط حكما واجبا ووجه الأول أنه عاجز عن الوطء بأمر لا يمكنه الخروج منه ، أشبه المريض ، فإن قال : أمهلوني حتى أطلب رقبة ، أو أطعم ، فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال لم يمهل ; لأنه إنما يمهل للحاجة ، ولا حاجة هنا ، وإن لم يعلم أمهل . ذكره المؤلف ، ولا يمهل لصوم شهرين متتابعين ; لأنه كثير . وقيل : بلى ، فإن وطئها فقد عصى ، وانحل [ ص: 25 ] إيلاؤه ولها منعه . وقال القاضي يلزمها التمكين ، فإن امتنعت سقط حقها ; لأن حقها في الوطء . وقد بذله لها وجوابه بأنه وطء حرام ، فلا يلزم التمكين منه كالوطء في الحيض ( وإن قال : أمهلوني حتى أقضي صلاتي ، أو أتغدى ، أو حتى ينهضم الطعام ، أو أنام ، فإني ناعس أمهل بقدر ذلك ) لأنه زمن يسير ، ولا يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال ، وإن طلب المهلة حتى ينظر في صومه ، أو يرجع إلى بيته ، أو يحل من إحرامه أمهل ; لأن العادة تقتضيه .



                                                                                                                          فرع : إذا كانت صغيرة ، أو مجنونة فليس لها المطالبة ; لأن قولها غير معتبر ، ولا لوليها ; لأن هذا طريقه الشهوة ، وإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة ; لأن المنع من جهتها وإن كان ممكنا فأفاقت المجنونة وبلغت الصغيرة قبل انقضاء المدة له تممت ، ثم لهما المطالبة ، وإن كان بعد انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ ; لأن الحق لهما ثابت ، وإنما تأخر لعدم إمكان المطالبة . ‌




                                                                                                                          الخدمات العلمية