الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      السلطان الملك المنصور قلاوون بن عبد الله التركي الصالحي الألفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بألف دينار ، وكان من أكابر الأمراء عنده وبعده ، ولما تزوج الملك السعيد بن الظاهر بابنته غازية خاتون ، عظم شأنه جدا عند الظاهر ، وما زال يرتفع في الدولة حتى صار أتابك سلامش بن الظاهر ، ثم رفعه من البين واستقل بالملك في سنة ثمان وسبعين ، وكسر التتار على حمص في سنة ثمانين ، فأحبه الناس ، وفتح المرقب في سنة أربع وثمانين ، وفتح طرابلس سنة ثمان وثمانين ، وعزم على فتح عكا وبرز لها ، فعالجته المنية في السادس والعشرين من ذي القعدة ، ودفن بتربته بمدرسته الهائلة التي أنشأها بين [ ص: 627 ] القصرين التي ليس بديار مصر ولا بالشام مثلها ، وفيها دار حديث ومارستان ، وعليها أوقاف دارة كثيرة عظيمة ، مات عن قريب من ستين سنة ، وكانت مدة ملكه اثنتي عشرة سنة ، وكان حسن الصورة مهيبا ، عليه أبهة السلطنة ومهابة الملك ، تام القامة ، حسن اللحية ، عالي الهمة ، شجاعا وقورا ، سامحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير حسام الدين طرنطاي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نائب السلطنة المنصورية بمصر ، أخذه الأشرف فسجنه بقلعة الجبل ثم قتله ، وبقي ثمانية أيام لا يدرى به ، ثم لف في حصير وألقي على مزبلة ، وحن عليه بعض الناس ، فكفن كآحاد الفقراء بعد النعيم الكثير ، والدنيا المتسعة ، والكلمة النافذة ، وقد أخذ السلطان من حواصله ستمائة ألف دينار وسبعين قنطارا بالمصري فضة ، ومن الجواهر شيئا كثيرا ، سوى الخيل والبغال والجمال والأمتعة والبسط الجياد ، والأسلحة المثمنة ، وغير ذلك من الحواصل والأملاك بمصر والشام ، وترك ولدين أحدهما أعمى ، وقد دخل هذا الأعمى على الأشرف ، فوضع المنديل على وجهه وقال : شيء لله . وذكر له أن لهم أياما لا يجدون شيئا يأكلونه ، فرق له وأطلق لهم الأملاك يأكلون من ريعها ، فسبحان الله المتصرف في خلقه بما يشاء ، يعز من يشاء ويذل من يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العلامة رشيد الدين عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي الشافعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مدرس الظاهرية ، توفي بها وقد جاوز التسعين ، وجد مخنوقا في [ ص: 628 ] المحرم ، ودفن بالصوفية ، وقد سمع الحديث ، وكان منفردا في فنون من العلوم كثيرة ; منها النحو والأدب وحل المترجم والكتابة والإنشاء وعلم الفلك والنجوم وضرب الرمل والحساب وغير ذلك ، وله نظم حسن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخطيب جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي بدار الخطابة ، وحضر الناس الصلاة عليه يوم السبت سلخ جمادى الأولى ، وحمل إلى السفح ، فدفن إلى جانب الشيخ يوسف الفقاعي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فخر الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عز القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الواحد بن أبي اليمن

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الزاهد المتقلل من متاع الدنيا ، توفي في العشرين من رمضان ، وصلي عليه في الجامع ، ودفن بتربة بني الزكي بقاسيون ، محبة في محيي الدين بن عربي ; فإنه كان يكتب من كلامه كل يوم ورقتين ، ومن الحديث ورقتين ، وكان مع هذا يحسن الظن به ، وكان يصلي مع الأئمة كلهم بالجامع ، وقد أخبر عنه بعض العلماء أنه رأى بخطه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد صحح على " عينه " ، وإنما الصحيح المروي عمن أنشد هذا الشعر أولا :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تدل على أنه واحد [ ص: 629 ] وله شعر فمنه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والنهر قد جن بالغصون هوى     فراح في قلبه يمثلها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فغار منه النسيم عاشقها     فجاء عن وصله يميلها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما تحقق بالإمكان فوقكم     وقد بدا حكمه في عالم الصور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تميز الجمع عنه وهو متحد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلاح فوقكم في عالم الصور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لي سادة لا أرى سواهم     هم عين معناي عين جوفي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد أحاطوا بكل جزء     مني وعزوا عن درك طرفي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هم نظروا في عموم فقري     وطول ذلي وفرط ضعفي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فعاملوني ببحت جود     وصرف بر ومحض لطف
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا تلم إن جررت ذيلي     فخرا بهم أو ثنيت عطفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مواهب ذي الجلال لدي تترى     فقد أخرسنني ونطقن شكرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 630 ] فنعمى إثر نعمى إثر نعمى     وبشرى بعد بشرى بعد بشرى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لها بدء وليس لها انتهاء     يعم مزيدها دنيا وأخرى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحاج طيبرس بن عبد الله ، علاء الدين الوزيري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صهر الملك الظاهر ، كان من أكابر الأمراء ذوي الحل والعقد ، وكان دينا كثير الصدقات ، له خان بدمشق أوقفه ، وله في فكاك الأسرى وغير ذلك ، وأوصى عند موته بثلاثمائة ألف تصرف على الجند بالشام ومصر ، فحصل لكل جندي خمسون درهما ، وكانت وفاته في ذي الحجة ، ودفن بتربته بسفح المقطم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر المقدسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي ثاني عشر جمادى الآخرة منها ، وحضر جنازته خلق كثير ونائب السلطنة ، ودفن بقاسيون ، وله أربعون سنة سواء ، وكان فاضلا بارعا خطيبا مدرسا ، درس بأكثر المدارس ، وهو شيخ الحنابلة وابن شيخهم ، وتولى بعده القضاء الشيخ شرف الدين حسن بن عبد الله بن أبي عمر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية