الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 8 ] وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا .

كانوا في الجاهلية يعدون الأعمال الصالحة مجلبة لخير الدنيا ؛ لأنها ترضي الله تعالى فيجازيهم بنعم في الدنيا ؛ إذ كانوا لا يؤمنون بالبعث ، وقد قالت خديجة للنبيء صلى الله عليه وسلم حين تحير في أمر ما بدأه من الوحي وقال لها : لقد خشيت على نفسي . فقالت : والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق . فالظاهر أن المشركين إذا سمعوا آيات الوعيد يقولون في أنفسهم : لئن كان البعث حقا لنجدن أعمالا عملناها من البر تكون سببا لنجاتنا ، فعلم الله ما في نفوسهم فأخبر بأن أعمالهم تكون كالعدم يومئذ .

والقدوم مستعمل في معنى العمد والإرادة ، وأفعال المشي والمجيء ، تجيء في الاستعمال لمعاني القصد والعزم والشروع مثل : قام يفعل ، وذهب يقول ، وأقبل ، ونحوها . وأصل ذلك ناشئ عن تمثيل حال العامد إلى فعل باهتمام بحال من يمشي إليه ، فموقعه في الكلام أرشق من أن يقول : وعمدناه ، أو أردنا إلى ما عملوا .

و ( من ) في قوله : ( من عمل ) بيانية لإبهام ( ما ) ، وتنكير ( عمل ) للنوعية ، والمراد به عمل الخير ، أي : إلى ما عملوه من جنس عمل الخير .

والهباء : كائنات جسمية دقيقة لا ترى إلا في أشعة الشمس المنحصرة في كوة ونحوها ، تلوح كأنها سابحة في الهواء وهي أدق من الغبار ، أي فجعلناه كهباء منثور ، وهو تشبيه لأعمالهم في عدم الانتفاع بها مع كونها موجودة بالهباء في عدم إمساكه مع كونه موجودا ، وهذا تشبيه بليغ وهو هنا رشيق . ونظيره قوله تعالى : ( وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ) .

والمنثور : غير المنتظم ، وهو وصف كاشف ؛ لأن الهباء لا يكون إلا منثورا ، فذكر هذا الوصف للإشارة إلى ما في الهباء من الحقارة ومن التفرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية