الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إلا تذكرة لمن يخشى

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إلا تذكرة نصب على أنه مفعول له لأنزلنا ، لكن لا من حيث أنه معلل بالشقاء على معنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بتبليغه إلا تذكرة . الآية ، كقولك : ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا ، لما أنه يجب في أمثاله أن يكون بين العلتين ملابسة بالسببية والمسببية حتما كما في المثال المذكور ، وفي قولك : ما شافهتك بالسوء لتتأذى إلا زجرا لغيرك ، فإن التأديب في الأول مسبب عن الإشفاق ، والتأذي في الثاني سبب لزجر [ ص: 4 ] الغير . وقد عرفت ما بين الشقاء والتذكرة من التنافي ، ولا يجدي أن يراد به التعب في الجملة المجامع للتذكرة لظهور أن لا ملابسة بينهما بما ذكر من السببية والمسببية ، وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكان "إلا تذكرة" : إلا تكثيرا لثوابك ، فإن الأجر بقدر التعب ، ولا من حيث أنه بدل من محل لتشقى كما في قوله تعالى : ما فعلوه إلا قليل لوجوب المجانسة بين البدلين ، وقد عرفت حالهما بل من حيث إنه معطوف عليه بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدارك المستفاد من الاستثناء المنقطع ، كأنه قيل : ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب في تبليغه ، ولكن تذكرة لمن يخشى . وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلا لفاعل الفعل المعلل ، أي : لمن من شأنه أن يخشى الله عز وعلا ويتأثر بالإنذار لرقة قلبه ولين عريكته ، أو لمن علم الله تعالى أنه يخشى بالتخويف ، وتخصيصا بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لأنهم المنتفعون بها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية