الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 640 ] وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرغون بن أبغا ملك التتر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان شهما شجاعا سفاكا للدماء ، قتل عمه السلطان أحمد بن هولاكو ، فعظم في أعين المغول ، فلما كان في هذه السنة مات من شراب شربه فيه سم ، فاتهمت المغول اليهود به - وكان وزيره سعد الدولة بن الصيفي يهوديا - فقتلوا من اليهود خلقا كثيرا ، ونهبوا منهم أموالا عظيمة جدا في جميع مدائن العراق ، ثم اختلفوا فيمن يقيمونه بعده ، فمالت طائفة إلى كيختو ، فأجلسوه على سرير المملكة ، فبقي مدة ، قيل : سنة . وقيل : أقل من ذلك . ثم قتلوه وملكوا بعده بيدرا ، وجاء الخبر بوفاة أرغون إلى الملك الأشرف وهو محاصر عكا ، ففرح بذلك كثيرا ، وكانت مدة ملك أرغون ثمان سنين ، وقد وصفه بعض مؤرخي العراق بالعدل والسياسة الجيدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المسند المعمر الرحلة فخر الدين بن البخاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي المعروف بابن البخاري ، ولد في سلخ سنة خمس أو مستهل سنة ست وتسعين وخمسمائة ، وسمع الكثير ، ورحل مع أهله ، وكان رجلا صالحا عابدا زاهدا ورعا ناسكا ، تفرد [ ص: 641 ] بروايات كثيرة لطول عمره ، وخرجت له مشيخات وسمع منه الخلق الكثير والجم الغفير ، وكان منصوبا لذلك حتى كبر وأسن وضعف عن الحركة ، وله شعر حسن منه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تكررت السنون علي حتى بليت وصرت من سقط المتاع     وقل النفع عندي غير أني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أعلل بالرواية والسماع     فإن يك خالصا فله جزاء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن يك مالقا فإلى ضياع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إليك اعتذاري من صلاتي قاعدا     وعجزي عن سعيي إلى الجمعات
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتركي صلاة الفرض في كل مسجد     تجمع فيه الناس للصلوات
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني     من النار واصفح لي عن الهفوات

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي ضحى نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر من هذه السنة عن خمس وتسعين سنة ، وحضر جنازته خلق كثير ، ودفن عند والده الشيخ شمس الدين أحمد بن عبد الواحد بسفح قاسيون ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ تاج الدين الفزاري ، عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء تاج الدين أبو محمد الفزاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الإمام العلامة العلم شيخ الشافعية في زمانه ، حاز قصب السبق دون أقرانه ، وهو والد شيخنا العلامة برهان الدين . كان مولد [ ص: 642 ] الشيخ تاج الدين في سنة ثلاثين وستمائة ، وتوفي ضحى يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة بالمدرسة الباذرائية ، وصلي عليه بعد الظهر بالأموي ، تقدم للصلاة عليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي ، ثم صلى عليه عند جامع جراح الشيخ زين الدين الفارقي ، ودفن عند والده بباب الصغير ، وكان يوما شديد الزحام ، وقد كان ممن اجتمعت فيه فنون كثيرة من العلوم النافعة ، والأخلاق اللطيفة ، وفصاحة المنطق ، وحسن التصنيف ، وعلو الهمة ، وفقه النفس ، وكتابه " الإقليد " الذي جمعه على أبواب " التنبيه " وصل فيه إلى باب الغصب ، دليل على فقه نفسه ، وعلو قدره ، وقوة همته ، ونفوذ نظره ، واتصافه بالاجتهاد الصحيح في غالب ما سطره ، وقد انتفع به الناس ، وهو شيخ أكابر مشايخنا هو والشيخ محيي الدين النووي ، وله " اختصار الموضوعات " لابن الجوزي ، وهو عندي بخطه ، وقد سمع الحديث الكثير ، وحضر عند ابن الزبيدي " صحيح البخاري " ، وسمع من ابن اللتي وابن الصلاح ، واشتغل عليه وعلى ابن عبد السلام ، وانتفع بهما ، وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي أحد تلاميذه مشيخة في عشرة أجزاء عن مائة شيخ ، فسمعها عليه الأعيان ، وله شعر جيد ، فمنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لله أيام جمع الشمل ما برحت     بها الحوادث حتى أصبحت سمرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي     عنكم فلم ألق لا عينا ولا أثرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا راحلين قدرتم فالنجاة لكم     ونحن للعجز لا نستعجز القدرا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 643 ] وقد ولي الدرس بعده بالباذرائية والحلقة والفتيا بالجامع ولده شيخنا برهان الدين ، فمشى على طريقة والده وهديه ودله وسمته ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ثالث شعبان توفي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الطبيب الماهر عز الدين إبراهيم بن محمد بن طرخان السويدي الأنصاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودفن بالسفح عن تسعين سنة ، وروى شيئا من الحديث ، وفاق أهل زمانه في صناعة الطب ، وصنف كتبا في ذلك ، وكان يرمى بقلة الدين ، وترك الصلوات ، وانحلال في العقيدة ، وإنكار أمور كثيرة مما يتعلق باليوم الآخر ، والله يحكم فيه وفي أمثاله بأمره العدل الذي لا يجور ولا يظلم . وفي شعره ما يدل على قلة عقله ودينه وعدم إيمانه ، واعتراضه على تحريم الخمر ، وأنه قد طال رمضان عليه في تركها ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن الإمام العلامة كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري الزملكاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مدرس الأمينية ، وهو والد شيخنا الإمام العلامة كمال الدين بن أبي المعالي محمد بن علي الزملكاني ، وقد درس بعد أبيه المذكور بالأمينية ، وكانت وفاة والده هذا ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من ربيع الآخر بالأمينية ، ودفن بمقابر الصوفية عند والده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 644 ] الأمير الكبير بدر الدين يمك بن عبد الله الناصري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ناظر الرباط بالصالحية عن وصية أستاذه ، وهو الذي ولى الشيخ شرف الدين الفزاري مشيخة الرباط بعد ابن الشريشي جمال الدين ، وقد دفن بالتربة الكبيرة داخل الرباط المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الكرجي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صهر الشيخ تقي الدين بن الصلاح وأحد تلاميذه ، ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، ومات يوم الأربعاء ثاني ربيع الآخر من هذه السنة ، ودفن إلى جانب ابن الصلاح

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الذي كان قد بويع بالملك بعد أخيه الملك السعيد ، وجعل الملك المنصور قلاوون أتابكه ، ثم استقل قلاوون بالملك وأرسلهم إلى الكرك ، ثم أعادهم إلى القاهرة ، ثم سفرهم الأشرف خليل في أول دولته إلى بلاد الأشكري من ناحية إصطنبول ، فمات سلامش هناك ، وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية ، وقد كان سلامش من أحسن الناس شكلا وأبهاهم منظرا ، وقد افتتن به خلق كثير من الناس ، وشبب به الشعراء ، وكان عاقلا رئيسا مهيبا وقورا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 645 ] العفيف التلمساني ، أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن ياسين العابدي الكوفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم التلمساني ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشاعر المتقن في علوم ; منها النحو والأدب والفقه والأصول ، وله في ذلك مصنفات ، وله شرح " مواقف النفري " ، وشرح أسماء الله الحسنى " ، وله ديوان مشهور ، ولولده محمد ديوان آخر ، وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض ، وشهرته تغني عن الإطناب في ترجمته ، توفي يوم الأربعاء خامس رجب ، ودفن بالصوفية ، ويذكر عنه أنه عمل أربعين خلوة ، كل خلوة أربعون يوما متتابعة . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية