الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 491 - 492 ] باب الإقالة ( الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " { من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة }" ولأن العقد حقهما فيملكان رفعه دفعا لحاجتهما ( فإن شرطا أكثر منه أو أقل فالشرط باطل ويرد مثل الثمن الأول ) والأصل أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرها إلا أن لا يمكن جعله فسخا فتبطل ، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعند أبي يوسف رحمه الله هو بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخا إلا أن لا يمكن فتبطل . وعند محمد رحمه الله هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخا ، فيجعل بيعا إلا أن لا يمكن فتبطل . لمحمد رحمه الله أن اللفظ للفسخ والرفع ومنه يقال أقلني عثراتي فتوفر عليه قضيته ، وإذا تعذر يحمل على محتمله وهو البيع ، ألا ترى أنه بيع في حق الثالث ، ولأبي يوسف رحمه الله أنه مبادلة المال بالمال بالتراضي وهذا هو حد البيع ، ولهذا يبطل بهلاك السلعة ويرد بالعيب وتثبت به الشفعة ، [ ص: 493 ] وهذه أحكام البيع . ولأبي حنيفة رحمه الله أن اللفظ ينبئ عن الفسخ والرفع كما قلنا ، والأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية ولا يحتمل ابتداء العقد ليحمل عليه عند تعذره لأنه ضده واللفظ لا يحتمل ضده ، فتعين البطلان وكونه بيعا في حق الثالث أمر ضروري لأنه يثبت به مثل حكم البيع وهو الملك لا مقتضى الصيغة إذ لا ولاية لهما على غيرهما ، إذا ثبت هذا نقول : إذا شرط الأكثر فالإقالة على الثمن الأول لتعذر الفسخ على الزيادة ، إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال فيبطل الشرط لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة بخلاف البيع ، لأن الزيادة يمكن إثباتها في العقد فيتحقق الربا أما ما لا يمكن إثباتها في الرفع وكذا إذا شرط الأقل لما بيناه إلا أن يحدث في المبيع عيب فحينئذ جازت الإقالة بالأقل ، لأن الحط يجعل بإزاء ما فات بالعيب ، وعندهما في شرط الزيادة يكون بيعا لأن الأصل هو البيع عند أبي يوسف رحمه الله ، وعند محمد رحمه الله جعله بيعا ممكن ، فإذا زاد كان قاصدا بهذا ابتداء البيع وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف رحمه الله لأنه هو الأصل عنده . وعند محمد رحمه الله هو فسخ بالثمن الأول لا سكوت عن بعض الثمن الأول ، ولو سكت عن الكل وأقال يكون فسخا فهذا أولى بخلاف ما إذا زاد ، وإذا دخله عيب فهو فسخ بالأقل لما بيناه ، ولو أقال بغير جنس الثمن الأول فهو فسخ بالثمن الأول عند أبي حنيفة رحمه الله ويجعل التسمية لغوا ; وعندهما بيع لما بينا ولو ولدت المبيعة ولدا ثم تقايلا فالإقالة باطلة عنده لأن الولد مانع من الفسخ وعندهما تكون بيعا ، والإقالة قبل القبض في المنقول وغيره فسخ عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللهوكذا عند أبي يوسف رحمه الله في المنقول لتعذر البيع ، وفي العقار يكون بيعا عنده لإمكان البيع فإن بيع العقار قبل القبض جائز عنده .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب الإقالة حديث واحد :

                                                                                                        عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { من أقال نادما بيعته ، أقال الله عثرته يوم القيامة }" ; قلت : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { من أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته }" زاد ابن ماجه : { يوم القيامة }انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأول ، من القسم الأول ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        وقال ابن حبان فيه : { يوم القيامة } ، دون الحاكم ، ونادما عند البيهقي .




                                                                                                        الخدمات العلمية