الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: الله لا إله إلا هو الحي القيوم ؛ يروى عن ابن عباس - رحمة الله عليه - أنه قال: " أشرف آية في القرآن آية الكرسي " ؛ وإعراب " لا إله إلا هو " : النصب بغير تنوين في " إله " ؛ المعنى: " لا إله لكل مخلوق إلا هو " ؛ وهو محمول على موضع الابتداء؛ المعنى: " ما إله للخلق إلا هو " ؛ وإن قلت - في الكلام -: " لا إله إلا الله " ؛ جاز؛ أما القرآن فلا يقرأ فيه إلا بما قد قرأت القراء به؛ وثبتت به الرواية الصحيحة؛ ولو قيل - في الكلام - " لا رجل عندك إلا زيدا " ؛ جاز؛ و " لا إله إلا الله " ؛ جاز؛ ولكن الأجود ما في القرآن؛ وهو أجود أيضا في الكلام؛ قال الله - عز وجل -: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ؛ فإذا نصبت بعد " إلا " ؛ فإنما نصبت على الاستثناء. وقوله - عز وجل -: الحي القيوم ؛ معنى " الحي " : الدائم البقاء؛ ومعنى " القيوم " : القائم بتدبير سائر أمر خلقه؛ ويجوز: " القيام " ؛ ومعناهما واحد؛ فهو الله - عز وجل - قائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم؛ ورزقهم؛ وعلمه [ ص: 337 ] بأمكنتهم؛ وهو قوله - عز وجل -: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ؛ ومعنى لا تأخذه سنة ؛ أي: لا يأخذه نعاس؛ ولا نوم ؛ وتأويله أنه لا يغفل عن تدبير أمر الخلق؛ ومعنى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ؛ أي: لا يشفع عنده إلا بما أمر به من دعاء بعض المسلمين لبعض؛ ومن تعظيم المسلمين أمر الأنبياء؛ والدعاء لهم؛ وما علمنا من شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وإنما كان المشركون يزعمون أن الأصنام تشفع لهم؛ والدليل على ذلك قولهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ؛ وذلك قولهم: ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ؛ فأنبأ الله - عز وجل - أن الشفاعة ليست إلا ما أعلم من شفاعة بعض المؤمنين لبعض في الدعاء؛ وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ومعنى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ؛ أي: يعلم الغيب الذي تقدمهم؛ والغيب الذي يأتي من بعدهم؛ ومعنى: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ؛ أي: لا يعلمون الغيب؛ لا مما تقدمهم؛ ولا مما يكون من بعدهم؛ ومعنى: إلا بما شاء إلا بما أنبأ به؛ ليكون دليلا على تثبيت نبوتهم. وقوله - عز وجل -: وسع كرسيه السماوات والأرض ؛ قيل فيه غير قول؛ قال ابن عباس : " كرسيه " : علمه ؛ ويروى عن عطاء أنه [ ص: 338 ] قال: " ما السماوات والأرض في الكرسي إلا حلقة في فلاة " ؛ وهذا القول بين؛ لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه؛ فهذا يدل أن الكرسي عظيم؛ عليه السماوات والأرضون؛ و " الكرسي " ؛ في اللغة؛ و " الكراسة " : إنما هو الشيء الذي ثبت ولزم بعضه بعضا؛ و " الكرسي " : ما تلبد بعضه على بعض في آذان الغنم؛ ومعاطن الإبل؛ وقال قوم: " كرسيه " : قدرته التي بها يمسك السماوات والأرض؛ قالوا: وهذا قولك: " اجعل لهذا الحائط كرسيا " ؛ أي: اجعل له ما يعمده ويمسكه؛ وهذا قريب من قول ابن عباس - رحمه الله -؛ لأن علمه الذي وسع السماوات والأرض لا يخرج من هذا؛ والله أعلم بحقيقة الكرسي؛ إلا أن جملته أنه أمر عظيم من أمره - جل وعز.

                                                                                                                                                                                                                                        ومعنى: ولا يئوده حفظهما ؛ أي: لا يثقله؛ فجائز أن تكون الهاء لله - عز وجل -؛ وجائز أن تكون للكرسي؛ وإذا كانت للكرسي فهو من أمر الله.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية