الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الإعـلان من منظـور إسلامي

الدكتور / أحمد عيساوي

البعد الاجتماعي للإعلان الإسلامي

يمكن تعريف المجتمع الإسلامي -من المنظور القرآني للمجتمع- [ ص: 132 ] بأنه هو التجمع البشري الذي يؤلف أفراده- بحكم الشعور بالانتماء الروحي- كيانا اجتماعيا واحدا، تربطهم ببعضهم صلات وعلاقات اجتماعية متنوعة، تحددها وتضبطها العقيدة والشريعة الإسلامية.

[1]

وعليه، فإن المجتمع الإسلامي وسط إنساني متشعب، وشبكة من الظواهر والعلاقات والصلات الاجتماعية المعقدة والمتفاعلة فيما بينها، وفق نسق قيـمي ثابت أحيانا ومتغـير أحيانا أخرى، بحسب خضوع أو اهتداء وابتعاد أفراده من عالم القيم والمثل العليا.

وهو بذلك يتشكل من المكونات الأساس التالية:

1- أنه تجمع لجماعة من أفراد الجنس البشري، وجدوا بتقدير من المولى تبارك وتعالى ضمن رقعة جغرافية ما، تصغر وتكبر تبعا لحجم وعدد أفراد الجماعة.

2- صلات وعلاقات اجتماعية متنوعة تربطهم ببعضهم، قد تكون صـلات نفعيـة، أو مصلحـية، أو وجـدانية عاطفية، أو فكـرية، أو ثقافية، تنسجم أحيانا وتتوتر أحيانا أخرى. [ ص: 133 ]

3- عقيدة مشتركة تربطهم وتغذي فيهم الروح الجماعية، وتقاوم فيهم روح الشقاق والانفصالية والتمرد، وتضمن السير الحسن للفرد والمجتمع والانسجام بينهما.

4- شريعة ضابطة تحكمهم، تنتظم وفقها جميع علاقاتهم وصلاتهم النفعية، والمصلحية، والفكرية، والثقافية.

5- حس جمعي مشترك يربطهم ويوحد بينهم.

6- مسئولية جماعية في اتخـاذ القرار، ومسـئولية جمـاعية في تحمل نتائجه.

ونتساءل هنا عن: علاقة الإعلان بالفرد والمجتمع ؟ وعن الأبعاد الاجتماعية للإعلان ؟ ومدى تأثير المجتمع في الإعلان ؟ وتأثير الإعلان في المجتمع ؟

لقد أوضحنـا آنفـا أن الإعـلان نشـاط اتصـالي إشهـاري متعدد الجوانب والتأثيرات بين منتج ومعلن وجمهور. ولا يمكن لهذا النشاط الاتصالي المعقد والمتشابك أن يتحقق إلا ضمن وسط اجتماعي متكامل من حيث القيـم والمثـل والعـادات والتقاليد والأعـراف، ونسق اجتماعي متشابك ومنتظم من حيث العلاقات والروابط الاجتماعية المتنوعة.

إذ الإعلان -في حقيقته وجوانبه الاجتماعية- نشاط اتصالي وثيق الصلة بالمجتمع، ولا يمكن تصور ممارسته البتة خارج النطاق [ ص: 134 ] الاجتماعي للفرد والمجتمع. فهو يمثل علاقات متعددة بين أفراده من جهة وبين المعلنين والمنتجين من جهة ثانية، وبين الجمهور المستهلك المستقبل من جهة أخرى.

وبهذه الشبكة المتداخلة والمعقدة من العلاقات، يحدث الإعلان أنواعا من العلاقات الاجتماعية، التي تؤثر في الفرد والمجتمع معا.

إن الإعلان هو الابن الشرعي للمجتمع، حيث يسعى المنتجون والمتعاملون، من خلال تعاملهم مع المعلنين، إلى التأكيد على ضرورة صياغة الإعلان وإعداد الخطة الإعلانية بما يتفق مع القيم والمعايير الاجتماعية، وذلك بهدف كسب أفراد المجتمع من جهة، وتحقيق الانسجام الاجتماعي والتوافق النفسي الاجتماعي للفرد والمجتمع.

كما أن الإعلان -في حقيقته- شكل من أشكال النشاط الاجتماعي، بدءا من كونه فكرة مجردة في ذهن المنتج أو المتعامل أو المعلن، ثم هو أيضا نشـاط اجتماعي في مرحلة التخطيط، فالتنفيذ، فالإخـراج، فالبـث والتقديم عبر وسائل وقنوات الاتصال الإعلامي والإعلاني.

كما أنه شكل من أشكال النشاط الاجتماعي، بما يقدمه ويشهره من خدمات وأفكار وتسهيلات وسلع ومنشآت، ضمن سياق أنساق اجتماعية معينة لمجتمع ما.. وهو يسعى -باحترامه الدائم لقيم ومعايير المجتمع- لتحقيق الانسجام التام بينه وبين هذا المجتمع، ضمانا لسيادته على جمهور المستقبلين والمستهلكين من جهة، ولرواجه في السوق [ ص: 135 ] أمام الإعلانات المنافسة من جهة أخرى.

كما أنه أيضا شكل من أشكال الظواهر الاجتماعية المطردة والقوانين العلمية السائدة في المجتمع، حيث هو علم له قواعده وضوابطه الاجتماعية في الجانبين النظري والعلمي. كما أن له تصوراته ورؤاه للفرد والمجتمع، ضمن خلاصات علمية ضابطة لنوعية الاتجاهات والميولات والخصائص والمكونات الاجتماعية.

وهو أيضا فن ومهارة وإبداع وابتكار، يفترض فيه توفر جملة من الشروط التقنية والفنيات الذوقية لتحقيق التأثير الفعال في نفسية الجمهور المستقبل، الذي هو أولا وأخيرا كيان اجتماعي، بحيث يتوجه الإعلان إلى الكيان الاجتماعي ضمن وسائل إعلانية، ووفق أنساق معرفية وعرفية وسلوكية واضحة لدى أفراده، وفي سياق شبكة العلاقات الاجتماعية المعقدة.

كما أن عملية توجيه الإعلان، والرغبة في تحقيق التأثير بالرسالة الإعلانية في جمهور المستقبلين، وتحقيق الغاية للإقبال على الإعلان والانسجام معه، والتفاعل مع كل رموزه- المختزلة لمجموع التراكمات الاجتماعية والثقافية للفرد والمجتمع- عملية اجتماعية متشابكة ومعقدة ودقيقة، تتطلب من عالم الاجتماع الإسلامي والإعلاني الإسلامي دراية واسعة بأحوال المجتمع وقوانينه وعقائده وعاداته وتقاليده من جهة، وبأفضل وأنجع الطرق الفنية والتقنية لحمل وترجمة [ ص: 136 ] وإيصال تلك القيم والمعايير والعقائد، من جهة ثالثة.

وبالإضافة إلى ذلك كله، فإن الإعلان الإسلامي يتميز -عن غيره- بكونه يشكل حلقة وصل بين أفراد الإعلان من منتجين ومتعاملين وجمهور مستقبلين ومستهلكين. حلقة وصل قيمية وروحية، عقدية ومعيارية، أخلاقية ونفعية مصلحية.. وعملية الإحاطة بهذه القيم والمعايير، ثم التمكن من تلك المهارات والفنيات والتقنيات، تستلزم من الإعلاني الإسلامي دراسة واسعة لنوعية المنتجات والسلع والخدمات والمنشآت والتسهيلات من جهة، ونوعية المتعاملين وقيمهم من جهة ثانية، ونوعية الفرد والجمهور والمستقبل من جهة ثالثة، فضلا عن اقتداره وتمكنه الدقيق من مهارات وفنيات وتقنيات مهنته الإعلانية الاتصالية... وهذه المعارف والعلوم -في صميمها- كلها اجتماعية.

ولنحاول -الآن- البرهنة على الطروحات والأحكام التي خلعناها على الإعلان والإعلاني الإسلامي.

لنفترض -مثلا- أن معلنا إسـلاميا يـريد أن يعـلن عـن منـتج أو خدمة أو منشأة، وليكن نسيجا بلون معين، في بلد إسلامي أو في غيره، وهو لا يعرف الرموز التي يختزلها ذلك اللون في الذاكرة الشعبية والاجتماعية لذلك المجتمع، وما يوحي به ذلك اللون، أو تلك الألوان في ذلك المجتمع، إلى غير ذلك من المعارف والحقائق والخصوصيات الاجتماعية والثقافية المخبوءة في الخلد الجمعي للمجتـمع، فإنه حتما [ ص: 137 ] سيعرض المتعامل للخسارة، بحيث إنه سيصرف -بجهله أو بسوء تقديره- جمهور المستهلكين عن الإقبال على منتجاته.

ولذلك يتطلب من الإعلاني الإسلامي معرفة المجتمع الذي سيتوجه إليه إعلانيا، والإجابة عن جملة من الأسئلة المهمة، مثل:

من هو الجمهور المقصود ؟ وما هي خصائصه الديمغرافية، والاجتمـاعـية، والاقتصـاديـة، والثقـافية، والتـاريـخيـة ؟ وما هي دوافـع ومحـددات سلـوكه الاجتمـاعي ومتغيـراتها ؟ ومـا هي أنمـاطه الاستهلاكية ؟

فإذا استطاع الإعلاني الإسلامي الإجابة عن مثل هذه التساؤلات بدقة أمكنه تخطيط حملة إعلانية ناجحة ومؤثرة معا. إذ لا يكفي معرفة نوعية السلع والمنتجات وقيمتها، ومدى حاجة الجمهور المستهلك الماسة لها فقط، بمقدار ما تفيد معرفة قيم ومعايير وعقائد الجمهور المستهلك في العمق. [2]

فلا يمكن للإعلاني الإسلامي استخدام المرأة المتبرجة البعيدة عن قيم وتعاليم الدين الإسلامي كأداة جذب لجمهور المستهلكين والمستقبلين، بحجة أن استخدام المرأة الغربية المتحللة من القيم الأخلاقية قد حقق نجاحا على مستوى الإعلان الغربي والمجتمعات الغربية، فهو بالتالي سينجح حتما في المجتمعات الإسلامية.. إن ذلك التحلل والامتهان القيمي للمرأة والرجل أيضا، لا ينبغي أن يجد له [ ص: 138 ] طريقا إلى المنظومة الإعلانية الإسلامية، لأنه لا يتناسب البتة وقيم وعقيدة المجتمع المسلم.

كما أن لا يجوز استخدام الأسلوب الفكاهي الساخر والساقط أخلاقيا والمخـالف لتعـاليم الدين الإسلامي، لأنه قد حقق نجاحات على مستوى الإعلان الغربي، وكثير من الإعلانات في بعض البلاد العربية والإسلامية.

ولكن يجب على الإعلاني الإسلامي الوصول إلى حدود المعرفة الشمولية -إن أمـكن- أو الاستعـانة بأهـل التخـصص في فقه الترويح والفكاهة، وفقه الناس من جمهور المستقبلين المستهلكين، وفقه الحياة عموما.

ولنا أن نتساءل هنا: هل أجريت مثل هذه الدراسات الاجتماعية والثقافية والنفسية والتربوية في عالمنا العربي والإسلامي -من منظور إسلامي نظري وعملي- على الجمهور المستقبل والمستهلك من جهة، وعلى فن الإعلان من جهة أخرى ؟

تشير معظم الدراسات والأبحاث العلمية خاصة، والاقتصادية عـامة، أن مثل هذه الدراسـات لم يعرفها العـالم العـربي والإسـلامي إلا من منظور غربي بحت، عدا بعض الدراسات والأبحاث التي اضطلعت بها وكالات الإعلان في الخليج العربي، [3] وذلك عائد [ ص: 139 ] لاعتبارات عديدة أهمها:

1- ظاهرة التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي، التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي.

2- ظاهرة الهيمنة السلطوية لبعض الأنظمة والكيانات الحاكمة، عدا تلك التي توفر مناخا مناسبا للحرية العلمية في مجال الأبحاث الاقتصادية، والاجتماعية، والمالية...

3- حداثة مثل هذه الدراسات الإعلامية والإعلانية والاتصالية في العالم العربي والإسلامي.

في الوقت الذي عرف فيه الغرب مبكرا مثل هذه الدراسات، التي تناولت الجمهور وثقافته، ووضعيته المالية والاقتصادية والاجتماعية والاستهلاكية والإعلامية والإعلانية.









[4]

وفي ظل هذه المعطيات والحقائق -غير المطمئنة وغير المشجعة- لواقع الإعلان في العالمين العربي والإسلامي، نحاول -بإذن الله- استشراف رؤية اجتماعية إسلامية للإعلان الإسلامي المرتقب، بالنظر [ ص: 140 ] بداءة إلى فطرية الدين الإسلامي واجتماعيته.

ويمكن القول: إن الإعلان الإسلامي المنشود، يسعى لتحقيق جملة من النشاطات الاجتماعية، من أهمها:

1- تنمية قدرات الفرد والمجتمع الإسلامي.

2- زيادة نسبة الاستهلاك الرشيد لدى الجمهور المسلم.

3- تحقيق الزيادة المستمرة للمنتجات الإسلامية بتحويل الجمهور الإسلامي المستقبل والمستهلك نحوها.

4- إيجاد فاعلية النشاط الاقتصادي والاجتماعي لدى الجمهور الإسلامي المستهلك.

5- إشاعة وعي طيب واهتمام إيجابي بمنتجات الشركات العربية والإسلامية.

6- تحقيق حالات من التـوافق النفـسي، والانسجـام العـاطفي، والرضا النفعي والمصلحي، لدى الفرد والمجتمع المسلم حيال المنتجات الإسلامية.

7- رفع مستوى الوعي الإعلاني لدى الجمهور الإسلامي المستقبل والمستهلك.

8- تشكيل حد أدنى من الثقافة الإعلانية الإسلامية الأصيلة لدى الجمهور الإسلامي المستقبل والمستهلك.

9- إثارة حالة من الوعي الإيجابي حيال الإعلان الإسلامي لدى الجمهور غير الإسلامي المستقبل. [ ص: 141 ]

10- اختزال عامل الزمن لتحقيق أرقى وأسرع صيغ التعامل والبيع وغيرها من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية..

ويسعى الإعلان الإسلامي لتنمية هذه النشاطات من خلال:

- تنمية وتدعيم التفاعل الاجتماعي.

- تنمية الصلات والروابط الاجتماعية.

- تقوية أسس النظام الاجتماعي الإسلامي.

ويمكن القول: إن الإعلان الإسلامي معني، خلال ممارساته الإشهارية، بمراعاة الجوانب الاجتماعية التالية:

1- الاهتمام بالأسرة المسلمة، ومراعاة قيمها ومثلها ومبادئها وعاداتها وتقاليدها السليمة، وعدم المساس بها بـأي شكل من أشكال البث الإعلاني.

2- العناية بالمرأة المسلمة كقطب أساس لحفظ الأسرة والمجتمع من عوامل السقوط والانهيار، ولذا وجب ألا يحتوي الإعلان الإسلامي على ما يمس المرأة وحرمتها وعرضها وكرامتها، أو يسيء إلى فطرتها السليمة، ودورها الكريم في الأسرة والمجتمع.

3- العناية بالطفولة، صحيا ونفسيا وتربويا ودينيا... بحيث يعمل الإعلان الإسلامي على تدعيم وترسيخ هذه الجوانب الاجتماعية المهمة حفاظا على الكيان الاجتماعي للمجتمع.

4- الاهتمام بالشباب صحيا ونفسيا وتربويا ودينيا... بحيث يعمل [ ص: 142 ] الإعلان الإسلامي على مؤازرة كافة القطاعات المهمة والمكلفة بإعداد وتربية وتكوين الشباب، بما يبثه من إعلانات دعائية، وتحذيـرية وتنبيـهية ودعـوية بناءة للفرد والمجتـمع، كالتحـذير من خطر المسكرات والمخدرات وسائر أشكال اللهو والمجون والفساد.. لأن وظيفة الإعلان الإسلامي ليس الترويج للسلع والمنتجات والخدمات بمقدار ما هي وظيفة تغييرية ووقائية وبنائية للفرد والمجتمع.

5- ألا يدعو الإعلان الإسلامي إلى ما يشجع على انتهاك الحرمات وخرق القيم الأخلاقية، كالدعوة إلى التبرج والسفور والاختلاط المثير بين الجنسين، وغيرها من المفاسد التي تخل بالذوق العام للمجتمع المسلم، مجتمع الفضيلة والقيم الربانية الخالدة.

6- ألا يزين المكروهات، تحـريما أو تنـزيها، من سـلع أو منتـجـات أو خدمات أو تسهيلات أو منشآت...

7- أن يتجنب، خلال ممارساته الإشهارية، الترويج للمعتقدات الباطلة، والتقاليد الفاسدة، والعادات البالية والمنكرة، وكل أشكال البدع والخرافات والأوهام والأباطيل..

وإذا وفق الإعلانيون الإسلاميون -بعون الله وهديه وتوفيقه- خلال ممارساتهم الإشهارية إلى الالتزام التام بالضوابط الشرعية الإسلامية، فإنهم سيجعلون من الإعلان الإسلامي عامل تغيير وبناء وتأسيس للنظام الاجتماعي الإسلامي، محليا وإقليميا وعالميا. [ ص: 143 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية