الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3309 [ ص: 93 ] باب : في الإمداد بالملائكة، وفداء الأسارى، وتحليل الغنيمة

                                                                                                                              وقال النووي : (باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر ، وإباحة الغنائم)

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 84- 87 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم! أنجز لي ما وعدتني. اللهم! آت ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض" فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمده الله بالملائكة.

                                                                                                                              قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم. حيزوم! فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا. فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة [ ص: 94 ] السوط. فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صدقت. ذلك من مدد السماء الثالثة". فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين.

                                                                                                                              قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟" فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة. أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار. فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر. ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبا لعمر، فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان. قلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء، بكيت. وإن لم أجد بكاء، تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرض علي أصحابك، من أخذهم الفداء. لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض .

                                                                                                                              إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا" فأحل الله الغنيمة لهم]
                                                                                                                              .

                                                                                                                              [ ص: 95 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 95 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عباس ; قال : حدثني عمر بن الخطاب ) رضي الله عنهم ; (قال : لما كان يوم بدر) ، هو موضع الغزوة العظمى المشهورة . وهو ماء معروف ، وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة ، بينها وبين مكة .

                                                                                                                              قال ابن قتيبة : "بدر" بئر كانت لرجل يسمى: "بدرا "، فسميت باسمه .

                                                                                                                              قال أبو اليقظان : كانت لرجل من بني غفار .

                                                                                                                              وكانت هذه الغزوة يوم الجمعة ، لسبع عشرة خلت من شهر رمضان ، في السنة الثانية من الهجرة .

                                                                                                                              وفي رواية فيها ضعفاء : أنها كانت يوم الاثنين . قال الحافظ " أبو القاسم " : والمحفوظ هو الأول .

                                                                                                                              وثبت في صحيح البخاري ، عن ابن مسعود : أن يوم بدر كان يوما حارا .

                                                                                                                              (نظر رسول الله صلى الله عليه) وآله وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا . فاستقبل نبي الله صلى الله عليه) وآله وسلم القبلة ، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه) بفتح الياء وكسر التاء . أي : يصيح ويستغيث بالله بالدعاء .

                                                                                                                              وفيه : استقبال القبلة في الدعاء ، ورفع اليدين فيه ، وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء .

                                                                                                                              [ ص: 96 ] (اللهم ! أنجز لي ما وعدتني . اللهم ! آت ما وعدتني . اللهم ! إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام ، لا تعبد في الأرض) .

                                                                                                                              " تهلك " بفتح التاء وضمها . فعلى الأول : ترفع " العصابة " على أنها فاعل . وعلى الثاني : تنصب ، وتكون مفعولا : "والعصابة " : الجماعة .

                                                                                                                              (فما زال يهتف بربه ، مادا يديه ، مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه . فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه . وقال : يا نبي الله ! كفاك مناشدتك ربك) .

                                                                                                                              " المناشدة " : السؤال. مأخوذ من " النشيد " وهو رفع الصوت . هكذا وقع لجماهير رواة مسلم : " كذاك " بالذال . ولبعضهم : " كفاك " بالفاء . وفي رواية للبخاري : " حسبك مناشدتك ربك " ، وكل بمعنى .

                                                                                                                              وضبطوا " مناشدتك " بالرفع ، والنصب وهو الأشهر . قال أهل العلم : هذه المناشدة ; إنما فعلها النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ، ليراه أصحابه بتلك الحال ، فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه . مع أن الدعاء عبادة . وقد كان وعده الله إحدى الطائفتين ; إما العير ، وإما الجيش . وكانت العير قد ذهبت وفاتت . فكان على ثقة من حصول الأخرى . ولكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه ، من غير أذى يلحق المسلمين .

                                                                                                                              [ ص: 97 ] (فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم ) أي : معينكم . والإمداد : الإعانة ( بألف من الملائكة مردفين ) متتابعين . وقيل غير ذلك .

                                                                                                                              (فأمده الله بالملائكة . قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس . قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ ، يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس فوقه يقول : أقدم ، حيزوم !) بفتح الحاء ، وسكون الياء ، وضم الزاي . ثم واو ثم ميم .

                                                                                                                              قال عياض : وقع في رواية العذري : " حيزون " بالنون . والصواب : الأول . وهو المعروف لسائر الرواة ، والمحفوظ . وهو اسم " فرس " الملك . وهو منادى بحذف حرف النداء . أي: يا حيزوم .

                                                                                                                              وضبطوا "أقدم " بوجهين ;

                                                                                                                              أصحهما وأشهرهما : أنه بهمزة قطع مفتوحة ، وبكسر الدال ، من " الإقدام " . ولم يذكر ابن دريد ، وكثيرون " أو الأكثرون " : غيره . قالوا : وهي كلمة زجر للفرس . معلومة في كلامهم .

                                                                                                                              والثاني : بضم الدال وبهمزة وصل مضمومة . من " القدوم ".

                                                                                                                              (فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا . فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه) . " الخطم " : الأثر على الأنف . وهو بالخاء المعجمة .

                                                                                                                              [ ص: 98 ] (وشق وجهه ، كضربة السوط . فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله ، صلى الله عليه) وآله (وسلم ، فقال : " صدقت . ذلك من مدد السماء الثالثة " . فقتلوا يومئذ سبعين ، وأسروا سبعين . قال أبو زميل: قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى ، قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ل أبي بكر و عمر : " ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ ، فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة . أرى أن تأخذ منهم فدية ، فتكون لنا قوة على الكفار . فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : " ما ترى ؟ يا ابن الخطاب ! " قال : قلت: لا . والله ! يا رسول الله ! ما أرى الذي رأى أبو بكر. ولكني أرى أن تمكنا نضرب أعناقهم . فتمكن عليا من عقيل ، فيضرب عنقه . وتمكني من فلان (نسيبا لعمر) ، فأضرب عنقه . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها) يعني : أشرافها . الواحد : "صنديد" ، بكسر الصاد .

                                                                                                                              والضمير في " صناديدها " : يعود على أئمة الكفر . أو مكة .

                                                                                                                              فهوي رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، ما قال أبو بكر) .

                                                                                                                              [ ص: 99 ] " هوي " بكسر الواو . أي : أحب ذلك واستحسنه . يقال : هوي الشيء بكسر الواو . يهوى بفتحها "هوى" . والهوى : " المحبة " .

                                                                                                                              (ولم يهو ما قلت) هكذا هو في بعض النسخ ، " ولم يهو " . وفي كثير منها : بإثبات الياء مع الجازم . وهي لغة قليلة . ومنه : قراءة من قرأ : " إنه من يتقي ويصبر " بالياء . ومنه قول الشاعر : ألم يأتيك والأنباء تنمي.

                                                                                                                              (فلما كان من الغد ، جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم وأبو بكر قاعدين ، وهما يبكيان . قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت . وإن لم أجد بكاء ، تباكيت لبكائكما . فقال رسول صلى الله عليه) وآله (وسلم : " أبكي للذي عرض علي أصحابك ، من أخذهم الفداء . لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة " - شجرة قريبة من نبي الله ، صلى الله عليه) وآله (وسلم - فأنزل الله عز وجل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) أي : يكثر القتل والقهر في العدو (إلى قوله : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا . فأحل الله الغنيمة لهم) .




                                                                                                                              الخدمات العلمية