الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2268 - مسألة : فيمن سرق من بيت المال ، أو من الغنيمة ؟ قال أبو محمد رحمه الله : نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال : إن رجلا سرق من بيت المال ، فكتب فيه سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ؟ فكتب عمر إليه : أن لا قطع عليه ; لأن له فيه نصيبا .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن سماك بن حرب عن عبيد بن الأبرص أن علي بن أبي طالب أتي برجل قد سرق من الخمس مغفرا فلم يقطعه علي ، وقال : إن له فيه نصيبا .

                                                                                                                                                                                          وبه - يقول إبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما - وقال مالك ، وأبو ثور ، وأبو سليمان ، وأصحابهم : عليه القطع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : إنما احتج من لم ير القطع في ذلك بحجتين :

                                                                                                                                                                                          إحداهما : أن له فيه نصيبا مشاعا . [ ص: 312 ]

                                                                                                                                                                                          والثانية : أنه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          أما الاحتجاج بأنه قول طائفة من الصحابة - رضي الله عنهم - لا يعرف لهم منهم مخالف ، فإن هذا يلزم المالكيين المحتجين بمثل هذا إذا وافق أهواءهم التاركين له إذا اشتهوا ؟ وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          وأما احتجاجهم بأن له في ذلك نصيبا - فهذا ليس حجة في إسقاط حد الله تعالى ، إذ ليست هذه القضية مما جاء به القرآن ، ولا مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما أجمعت عليه الأمة : فلا حجة لهم في غير هذه العمد الثلاث .

                                                                                                                                                                                          وكونه له في بيت المال وفي المغنم نصيب لا يبيح له أخذ نصيب غيره ; لأنه حرام عليه بإجماع لا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                          وبقول الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .

                                                                                                                                                                                          فإذ نصيب شريكه عليه حرام فلا فرق بين سرقته إياه وبين سرقته من أجنبي لا نصيب له معه ، وهم يدعون القياس . وهم يقولون : إن الحرام إذا امتزج مع الحلال فإنه كله حرام ، كالخمر مع الماء ، ولحم الخنزير يدق مع لحم الكبش ، وغير هذا كثير ؟ ويرون الحد على من شرب خمرا ممزوجة بماء حلال ، فما الفرق بينه وبين من سرق شيئا بعضه له حلال وبعضه حرام لغيره ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما لم نجد في المنع من قطع من سرق من المغنم ، أو من الخمس ، أو من بيت المال ، حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وجب أن ننظر في القول الآخر : فوجدنا الله تعالى يقول { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله } .

                                                                                                                                                                                          ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على السارق جملة ، ولم يخص الله تعالى ، ولا رسوله عليه السلام سارقا من بيت المال من غيره ، ولا سارقا من المغنم ، [ ص: 313 ] ولا سارقا من مال له فيه نصيب من غيره { وما كان ربك نسيا } ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أغفله ولا أهمله

                                                                                                                                                                                          والعمل في ذلك أن ننظر فيمن سرق من شيء له فيه نصيب من بيت المال أو الخمس ، أو المغنم ، أو غير ذلك ، فإن كان نصيبه محدودا معروف المقدار كالغنيمة ، أو ما اشترك فيه ببيع ، أو ميراث ، أو غير ذلك ، أو كان من أهل الخمس ، نظر : فإن أخذ زائدا على نصيبه مما يجب في مثله القطع قطع ، ولا بد ، فإن سرق أقل فلا قطع عليه ، إلا أن يكون منع حقه في ذلك أو احتاج إليه فلم يصل إلى أخذ حقه إلا بما فعل ولا قدر على أخذ حقه خالصا فلا يقطع إذا عرف ذلك ، وإنما عليه أن يرد الزائد على حقه فقط ; لأنه مضطر إلى أخذ ما أخذ إذا لم يقدر على تخليص مقدار حقه ، والله تعالى يقول { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية